للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قد كان العرب يفزعون إلى الكهان في تعرف الحوادث، ويتنافرون إليهم في الخصومات ليعرفوهم بالحق فيها من إدراك غيبهم، وفي كتب الأدب كثير من ذلك. وأشتهر منهم في الجاهلية شق بن أتمار وسطيح بن مازن، وكان يدرج كما يدرج الثوب، ولا عظم فيه إلا الجمجمة. . . ومن مشهور الحكايات عنهما تأويل رؤيا ربيعة بن نصر وما أخبره به من ملك الحبشة لليمن وملك مضر من بعدهم وظهور النبوة المحمدية في قريش. ورؤيا الموبذان التي أولها سطيح لما بعث إليه بها كسرى عبد المسيح فأخبره بشأن النبوة وخراب ملك فارس. وهذه كلها مشهورة، وكذلك العرافون كان في العرب منهم كثير وذكروهم في أشعارهم)

فهناك عند أبن خلدون الكهانة تعلم الغيب، وهي نبوة ناقصة، وهناك الكاهن كأنه مرشح نبي. . . وقد قال في تضاعيف كلامه متبجحاً على المسعودي بعلمه وتحقيقه: (وقد تكلم عليها المسعودي في (مروج الذهب) فما صادف تحقيقاً ولا إصابة، ويظهر من كلام الرجل أنه كان بعيداً عن الرسوخ في المعارف فينقل ما سمع من أهله ومن غير أهله)

ومن قول المسعودي في الكهانة في (المروج):

(ذهب كثير أن علة ذلك علل نفسانية، وأن النفس إذا قويت وزادت قهرت الطبيعة، وأبانت للإنسان كل سر لطيف، وخبرته بكل معنى شريف، وغاصت بلطافتها في انتخاب المعاني اللطيفة البديعة فاقتنصتها، وأبرزتها عن الكمال)

فإذا قال المسعودي مثل هذا فزل وضل فان أبن خلدون لم يهتد. وما حديث أحدهما بأصدق من حديث صاحبه. إنهما في باب الكهانة والكهان سيان.

وشق وسطيح اللذان آمن بهما ابن خلدون، وصدق كونهما وأسطورتيهما هذا بعض ما قيل فيهما:

قال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى):

(كان شق شق إنسان، له يد واحدة، ورجل واحدة، وعين واحدة. وكان سطيح ليس له عظم ولا بنان، إنما كان يطوى مثل الحصير، وكان وجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق)

وقال أبن منظور في (لسان العرب):

<<  <  ج:
ص:  >  >>