عالماً. ولكن شاءت إرادة الله أن يكون إبراهيم هو العالم والأديب، وأن يتفرغ عبد السلام فيما بعد للتجارة ومزاولتها، فنهض فيها نهضة إبراهيم في العلم والأدب
فكان إبراهيم مولعاً بالأدب والشعر منذ حداثة سنه، وقد ورث ذلك عن جده إبراهيم، ومن حسن حظه أن كان بجوار محله التجاري عطار لم يحضرني أسمه كان من العلماء الأعلام الذين لم تتغلب عليهم التجارة فتنسيهم العلم، فتتلمذ عليه إبراهيم بغير علم من والده، فدرس عليه علوم الأدب والبلاغة والنحو والعروض حتى نبغ فيها
ومن نوادر ما يروي عن رغبته في العلم والتحايل على الحصول، عليه أنه كان معه بواب للمحل يدعى (علي الأشموني) فكان يتفق معه على أن يقف على ناصية الطريق حتى إذا ما رأى والده السيد عبد الخالق مقبلا نحو متجره راكباً مطيته يهرع إلى السيد إبراهيم المنشغل بدرسه ليقطع عليه لذة الدرس وينبهه إلى حضور والده السيد عبد الخالق، فيذهب إلى المتجر متظاهراً بمداومة العمل
وما كان يخطر له ولا والده أنه سيجعل الأدب مهنته، وهي يومئذ مهنة الفقراء، ولكن الأقدار ساقته إلى الاشتغال بها. فكان من اعظم نوابغها
وظل إبراهيم في حجره والده آمناً سعيداً حتى توفي الوالد سنة ١٢٨٢ هجرية (١٨٦٥ ميلادية) فتولى هو تجارة أبيه وقبض على ثروته التي تبلغ ثمانين ألفاً من الجنيهات، وجرى على خطته في العمل حيناً فازداد تقدماً وصار عضواً في مجلس التجار وعضواً في مجلس مصر الابتدائي
ولا يفوتن القارئ أن كل هذه المشاغل لم تحل دون ميله للأدب والشعر إذ كانت هذه الملكة تنمو فيه شيئاً فشيئاً بين مشاغل السياسة والإدارة والتجارة، فاتفق مع المرحوم (عارف باشا) أحد أعضاء مجلس الأحكام وصاحب المآثر الكبرى في نشر الكتب على تأسيس (جمعية المعارف) وكانت جل همها نشر الكتب النافعة وتسهيل إقتنائها، ثم أنشأ (إبراهيم بك) مطبعة باسمه سنة ١٢٨٥ هجرية (١٨٦٨ ميلادية) لتطبع تلك الكتب، وتعد من أقدم المطابع المصرية، وكانت كثرة العمل فيها تدفع الجمعية إلى طبع جزء من كتبها في بعض الأحيان بمطابع أخرى ولا سيما (المطبعة الوهبية)
ولا شك في أن هذه الجمعية كانت صاحبت اليد الطولى في نشر كثير من الكتب القيمة