رأينا كم يدفع المرء من الشقاء ثمناً باهضاً لأنفاسه! وعلمنا أن الحياة بما تحوي من شر تجارة خاسرة لا تساوي ثمنها!!. ولكن ألا نستطيع أن نرسم طريقاً للسعادة؟ ذلك ميسور إذا تغلب جانب العقل والمعرفة على جانب الإرادة والرغبة من الإنسان. فأنت عاجز عن إدراك السعادة إذا تملكت الإرادة منك الزمام، وأنت عاجز عن إدراك السعادة بالمال والجاه، وهي على قاب قوسين منك إذا أسلمت قيادك إلى العقل واستطعت أن تضغط على الإرادة حتى تحصرها في حيز ضئيل. ويعتقد شوبنهور أن الإعجاز لا يكون في إخضاع العالم بأسره بقدر ما يكون في إخضاع الإرادة. . . . . . إذن فالفيلسوف وحده هو الذي يستطيع أن يتغلب على شقاء الحياة. لأنه صورة من المعرفةغير المقيدةبالإرادة، وإذا استطاع الفكر أن يتخلص من قيود الرغبة والهوى أمكنه أن يرى الأشياء على حقيقتها المجردة.
فالفلسفة هي عبارة عن النظر المجرد عن الارادة، هي إنكار الذات عند النظر إلى مظاهر الوجود واعتبارها حقائق في ذاتها دون أن تربطها بالحياة البشرية.
٥ - الفن
نحن إذن ننشد تحرير المعرفة من استعباد الإرادة، ننشد إنكار الشخص لنفسه عند نظره للأشياء، وليس هذا المنشود إلا الفن في أصح معانيه. فالفنان العبقري يحاول أن يرى الأشياء من وجهة صفاتها العامة لا يعبأ كثيراً بالأشباح المادية التي تمثل تلك الصفات فموضوع الفن هو تجسيد الكلي العام في جزئي من الجزيئات والصورة الفنية يجب أن تكون المثل الأعلى للشيء المصور، ومعنى ذلك أن صورة البقرة مثلاً لكي تكون من آيات الفن الرفيع، يجب أن يتجمع فيها كل مميزات هذا النوع وما يتعلق به من صفات، كأن نوع البقرة كله قد تركز في هذه البقرة الواحدة. وصور الأشخاص يجب أن تقصد لا إلى الدقة الفوتوغرافية، بل إلى عرض كل ما يمكن عرضه من صفات الإنسان عامة في ملامح الشخص المصور، إذ الواقع أن الفنان سيصور صفات، وليست الأجسام إلا وسائل فقط لإبراز تلك الصفات.
ولنوجز هذا في عبارة أخرى: نقول أن الصورة الفنية لشيء ما يجب أن تكون عبارة عن