يكون هذا، ولكن ينبغي عبادته، لأنه هو الذي يمنحنا معرفة أنفسنا معرفة صحيحة، ويجعلنا نعرف (ذاتاً) أفتى معنى واكثر تنوعاً وأكثر تأثيراً من ذات منظمة مأمورة. ألا فلنقدس اختلاط قوى النفس، فهذه هي اللعبة، أو معرفة هذه اللعبة التي هي ملح الحياة، أو على الأقل التمرين البسيط للعقل الذي ليس بخداع.
وفي هذه كله شك؛ وإن ذات (باريس) كما يقول أناطول فرانس مزيج من اضطراب وحيرة واختلاط. وإن من العمل الظافر العمل على احتوائها. إن تهكماً دائماً يحيط بها ويلتهمها، على أن في عبادة الذات شيئاً آخر. . .
وقد يخاطب (باريس) فئة مثقفة تائهة في الثقافة الإنسانية، ويجد أن تعليل (الذات) المصنوعة في العزلة البعيدة عن الكتب إنما هو راحته في هذا التيه: (إن قوة العقل والإحساس تمت وحدها بهؤلاء الذين يعيشون باتصال صادق مع أنفسهم، وهذا هو مذهب الشعراء والمتصوفين. وهذا وحده يستطيع أن يلقينا خارج دائرة الشك، ويقودنا إلى مثل أعلى. إننا بالانطلاق من هذه الذات الحالية نصبح رجالاً سائمين هذا المجتمع. . . رجالاً لما يتكونوا!) وقد تكون هذه الذات شديدة الاختلاف عن الإنسان الكامل (لنيتشه) الذي لا نظام له إلا الكمال المتكبر الأناني! على أن امتحان الذات ينبغي أن يرافقه شيء من الامتحان والبلاء. وذواتنا محدودة بأشياء وراثية. ومعرفة الذات تنتهي دائماً بأن تخلق لنفسها فضيلة ومراجعات جديدة. . . وقد جهد (باريس) عندما تطور أن تكون هذه الفضيلة خلل آثاره الشكوكية، وفي هذه الآثار ما يرفع من الشك إلى الإيمان ومن التعليل إلى التأليف؛ والتعليل ليس في كل صورة مبعثاً للكسل؛ هو ينقصه جهد يقاد إما بمنطق مدرسي جاف، أو بمنطق أسمى لشجرة تتحرى النور وتذهب إلى غايتها الباطنية (إنني لن أذهب باستقامة إلى الحقيقة كالسهم يريد هدفه. ففي أكثر الأحيان يخطئ السهم المرمي. ولكن تعليل الذات بأناة ويقين يقود إلى هذه النتيجة حيث - الذات - مهما كانت مختلفة ودقيقة فهي ليست بمختلفة ولا بدقيقة إلا لأنها ليست إلا مظهراً. (الذات - خاضعة للتعليل - بقليل من الجد تفنى ولا يتبقى إلا المجتمع الذي هي منه نتيجة فانية. وبرغم الهوان والتصاغر، فإن فكرتي التي تعاظمت من قبل لكونها حرة تصل إلى أن تعلن وتثبت اتصالها بهذه الأرض وبهؤلاء الموتى الذين - قبيل ولادتي - قد سيطروا عليها في أشكالها