للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعركة الانتخابية قائد في معركة حربية يدبر الهجوم ويعد الدفاع وهو بصير بالموقف خبير بما يدور حوله، يميز باللمحة الخاطفة ما يأخذ مما يدع، ويتبين - مهما اشتد من حوله ضجيج الموقف - الطريق المؤدية إلى النصر.

كتب إلى جميع أصدقائه في نواحي الدائرة يطلب إليهم العون ويسألهم أن يدلوه على مؤيديه ليكتب إليهم، وعلى مخالفيه ليبتغي إلى إقناعهم الوسيلة؛ وراح يتحدث في الأندية، ويخطب في الجماعات، لا يدع فرصة ولا يتخلف عن موعد، وله من نباهة الذكر وطيب السمعة ومن محبة الناس لشخصه ما ينزله على الرحب أينما حل. . . وهل كان الناس يعرفون في خلقه غميزة؟ هل كان الناس يعرفون عن (أيب) الأمين إلا ما يحببه إلى قلوبهم؟ هل كان يجهل خاصة الناس وعامتهم المحامي الصادق السر؟ وهل كان ينسى العامة ذلك الرجل الطيب القلب الذي يجلس بينهم كأنه أحدهم، فيشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويبادلهم ودا بود وحبًا بحب، ويبثهم من نصائحه ما ينير لهم سبيلهم، ويسمعهم من طريف أحاديثه وروائع أقاصيصه ما يبهجهم ويسري عن نفوسهم. . .؟

لم ينسه الناس ولم يجهلوه، ولكن للسياسة أحاكمها ولها غرائبها، وكم تأتي رياحها الهوج على ما بين الناس من مودة، وكم تترك ألاعيبها وأضاليلها الناس في عماية وغواية! وكم تصدهم الشهوات في معركتها عن الحق وهم يعلمون! أجل كم يظهر في السياسة الباطل على الحق، وكم يدلس الرأي بالهوى، وكم يضيع ما تواضع عليه الناس من أصول الفضائل فيما تزين لهم من أوهام وأحلام، وما توحي إليهم من غرور العيش ومطامع الحياة؛ وكم يذهب ما درج عليه العرف وما نشأ عليه الذوق وما نمت عليه المشاعر هباءً فيما تأنى به السياسة من بهتان!

هذا لنكولن راح يطعنه منافسه في عقيدته ويلجأ إلى الدين فيتخذ منه سلاحاً فيكيد له به كيداً أليماً؛ وهو لا يرعوى عن غيه بوازع من خلق أو بدافع من حياء! أجل إن من كان له من حسن سيرته ونقاء طويته وصدق إخلاصه درع يرد عنه السهام مهما كانت صنوفها، خليق ألا يأبه لما يتقول عليه المبطلون؛ بل إني لأعتقد أنهم يحسنون إليه من حيث انهم يريدون إساءته؛ إذ هم يشعرون الناس أنهم يتصيدون له العيوب حيث يرونه خلواً من العيوب؛ ويلفقون له النقائص إذ يغيظهم بكماله ويسمو عليهم بفضائله، ويباعد بينه وبينهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>