فكأنما رفع الربيع حجابها ... فانجاب ستر الحسن عن حسنائه
والضوء كالحسناء بُزَّ رداؤها ... فأماط عنها العُرْيُ ستر غطائه
والقلب مثل الطير هِيضَ جناحه ... في نَزْوِهِ وحنينه وغنائه
والطير أفواه الرياض فشدوها ... أبداً يزجِّي الدَّهْرَ وَقْعُ حدائه
وكأَنما نغم الحفيف هواتف ... في القلب تدوي منه في أنحائه
والضوء من خَلَلِ كأَنه ... طير الفَرَاشِ نراه من شَجْرَائِه
وكأَنه والقلب يذكو شجوه ... شرر الغرام يطير من حوْباَئه
نَثَرَتْ ذُكاءُ على البسيطة عسجدا ... فاذخر ليوم الدجن كنز ثرائه
ولكل شيء منطق يشدو به ... والنفس تعرف كنه سحر غنائه
تتلو عليك الطير طِيْبَ ثماره ... وَأَرِيجَ روضته ورقة مائة
والحسن ظل السعادة في الورى ... إن السعادة لا تُرَى بِفِناَئِهِ
ظل الجِناَنِ على البسيطة واقع ... فاستقبل اللذاتِ من آلائه
فكأَنها كون حلمت بحسنه ... حتى نُقِلْتَ إلى ذرى خضرائه
وكأَنما زهر الخميلة إن بدا ... حُلُمُ الهوى في طيبه ووضائه
والطير أرواح الزهور وصيفها ... عهد الشاب يروق في لألائه
ضحك الزمان فذاع من ضحكاته ... صيف يعيد الحب في غلوائه
والقيظ يزفر بالهجير كأَنما ... يتنفس الولهان من بُرَحائه
فكأَنما مرح الحياة وحسنها ... لهب ترقرق في خَفيِّ دمائه
وكأَنما نغم الطيور أريجها ... يُسْقاَهُ زهر الروض في أندائه
فَيُحِيلُهُ نشرا يَضُوعُ ورونقا ... يشتار منه النحل أَرْىَ عطائه
ودت ذواتُ الحسنِ أن حُلِيَّهاَ ... كحُلِيِّهِ ورداءها كردائه
مَرَحُ الكعاب الرُّودِ في خطراتها ... كالنهر يرقص في ترقرق مائه
والريح تعبث بالغصون كأَنها ... طفل يعيث على رءوس إمائه
وترى جذور الدوح مثل أصابع ... بسط الشحيح يصون كنز ثرائه
وكأنما نغم البلابل مَطْرَةٌ ... فوق اللجين شجا مُرِنُّ إنائه