الأخلاقي العام الذي يتبعون أوامره ونواهيه عن طيب خاطر حيثما ساروا في الدنيا الوسيعة حتى إذا هم دخلوا المعمل أغفلوها جميعا؟ أيجوز استخدام التجربة، ذلك السلاح الرهيب دون مراعاة صالح غير صالح المعرفة للمعرفة ذاتها؟ إلا ينقلب رفض العلم لمراعاة اعتبارات الحياة الأخرى سببا إلى اقتراف كثير من الأثام؟ وجملة الأمر هل تتقيد الطريقة العلمية بقيود خلقية أم تترك طليقة؟ وإذا هي تقيدت فما هي تلك القيود؟
قال هكسلي:(إن كل الفلسفات وكل الأديان تقريبا متفقة على أن الحقيقة والجمال والخير غايات ثلاث يطلبها الإنسان لذاتها دون ما عداها؛ أو على الأقل تتفق الفلسفة والأديان على ذلك نظريا، أما عند التنفيذ فتظهر اختلافات وتلوح مصاعب).
ومع ذلك فهكسلي لا يتنازل عن شيء للتنفيذ، ولا يجود بشيء مما يتطلبه العمل من الضرورات. فهو يقول: كثيرا ما يقال إن من الأشياء ما يعلو على الفحص والتمحيص لقداسته، ولكن الرغبة الشديدة في المعرفة الخالصة إذا ملأت رأس الإنسان لم تجز له تمحيص كل شيء فحسب، بل تحتم عليه ان يتتبع مباحثه غير آبه لأي المواضع قادته، غافلا عن كل صفات الأجسام المبحوثة ما دامت قابلة للبحث والفهم، فأن العقل الممحص لا يرى أن بحث الشيء يمنع منه قدسيته، وفضلا عن هذا فان التجربة دلت على أن المعرفة التي تنال من أجل نفسها عن هذا الطريق، تقع من النفس منزلة لا تنزلها هي نفسها لو أنها أصيبت عن طريق غير هذا.
قال هكسلي ذلك وهو يعرض للدين أكثر من عرضه للخلق، ولكن كلامه يمكن تمديده حتى يسع الأخلاق. وهكذا يصبح السؤال: هل يصح لنا أن نفترض أن (الغايات الثلاث التي يطلبها الإنسان لذاتها دون ما عداها) متوافقة في جوهرها كل التوافق حتى أن من يطلب الواحدة يحصل في النهاية على الجميع. يقول عميد كاتدرائية سانت بول:(يجب علينا إلا نفارق بين القيم الثلاث أو نخاصم بينها. فكلنا نتسلق الجبل في طريقنا إلى الله. ولكن من طرق ثلاث تؤدي كلها إلى قمة الجبل. ومن المحتمل أن نجد من هذه الطرق واحدة هي أيسرها في الصعود).
أنا لا أعُنى الآن بالنهاية التي تؤدي اليها القيم الثلاث، ولكن عنايتي الحاضرة بالنتائج العملية التي تنشأ عنها. أن استعارة العميد نفسها تتضمن انفصال الثلاث في سبيلها من