لله لحمها الوردي. وجبينها السني، وفمها الخمري القرمزي وشعرها المغدودن الذهبي، وطرفها الساجي! ولله هذا الخمل الناعم القطيفي الذي سلبته لها الطبيعة من خوخ بوهيميا! لقد ملأت بارديتا قلب فلوريزيل وعينيه، وسرت كالحميا في دمه، فنقلته من دنيا إلى دنيا، ومن ملك إلى ملك، وركبت له قلباً غير قلبه، وإحساساً مرهفاً غير إحساسه؛ وسرت في خياله طيفاً معبوداً جعل الحياة جميلة مثلها، حبيبة لأنها فيها. . .
وهكذا عمر قلب الفتى بحب الفتاة، فبات لا يفكر إلا فيها، ولا يتوجه بأحلامه إلا إليها. . . وأخذ يكثر الصيد في هذه الجهة ويتردد على هيكل غرامه المقدس لينشق عبيره، وينعم بأرج الحب في أكنافه. . . ثم لم يطق أن يظل هذا حاله، فتنكر في ثياب شعبية، وصار يتردد على كوخ الراعي فيحدثه ويسمر إليه، وآنس فيه لطفاً وظرفاً وتأدباً، فمال إليه، واطمأن فؤاده لصحبته. . . وكان فلوريزيل فتى مشرق الشباب حلو الفم، يتحدث فتنجذب إليه الأسماع، ويصمت فتسرح في وجهه العيون
ولقي الفتاة فنمت عيناه المدنفتان بكل ما في قلبه، وجميع ما يتأجج بين أضلاعه ففتحت له قلبها الخلي. . . وهرول هو من عينيها الصافيتين الساحرتين، ومن فمها القرمزي المتمتم، إلى أبعد أغواره. . .
وذكر لها أن أسمه دوريكليز. . .!
وطال غيابه من حضرة أبيه الملك، وتعدد، وأصبح لا يهمه أن يغشى المجالس الملكية، فجمجمت نفس أبيه بأشياء فراح يدبر أن يعرف منها ما حرص أبنه أن يخفيه عليه
وأرسل عيونه في عقبيه، فعرفوا ما بينه وبين برديتا
ودعا الملك إليه صديقه كاميللو، كاميللو المخلص الذي أنقذه من السم في بيت ليونتس ملك صقلية، فكشف له عما في نفسه وذهبا متنكرين في إثر فلوريزيل إلى كوخ الراعي. . . والد برديتا فيما زعم له الزاعمون
وكان عيد الصوف الذي يجزون فيه الأغنام، وكان الكوخ وما حوله في حركة صاخبة ومرح، وكان المدعوون جالسين إلى الموائد الحافلة بالآكال والأشربات والأشواب المعممة بالحبب، وكان الولدان والعذارى والغانيات يرقصون على نغم الناي فوق العشب الأخضر؛ وكان بائع متجول يجلس في ناحية وقد التف حوله فتيان وفتيات يشترون ويشترين، هذا