رباطاً وهذه قفازاً. . . وكان فلوريزيل قد انتحى وبرديتا ناحية، وراحا يتناجيان ويتباثان، غير معنيين بهذا الحفل الراقص، المائد بالأذرع والسيقان، المائس بالقدود والنهود
ودلف الملك نحو الجهة التي أعتزل ابنه الناس فيها، ودلف وراءه كاميللو، ثم جلسا عن كثب، بحيث يسمعان نجواهما
- عجباً يا كاميللو! إن هذا الجمال وهذا السمت كثيران على ابنة راعٍ نشأت بين البهم، وشبت في جنبات المروج!
- ولم يا مولاي؟ أليس الرجل أغنى رعاة بوهيميا؟ إنه ملك القطعان، وأبنته من أجل لك ملكة اللبن والقشدة!
- إن فلوريزبل يجلس بين يديها كالحمل!
- وليس هذا عجيباً أيضاً، لأنها خبيرة بتأديب الذئاب! وتبسم الملك ثم ترك صاحبه وقصد إلى الراعي فسلم عليه ثم قال:
- عمرك الله أيها الأخ! من هذا المدنف المتبول الذي يناجي فتاتك الهيفاء؟
فقال الراعي: (ذاك الفتى! إنهم يدعونه دوريكليز، وكل منهما يهيم بصاحبه كما ترى. . . ولست أدري أيهما اسعد بإلفه من الآخر؛ بيد أنني لا أشك في أنه إذا اختارها لتشركه في حياته فإنه يفوز بشيء عظيم جداً، لأن وراءها كنزاً لا يحلم مثله بمثله!!)
ويمم الملك شطر الحبيبين فقال يخاطب ابنه وهو يمضغ كلماته ويمطها، حتى لا ينكشف أمره: (أنت أيها العاشق الصغير، فيم اعتزالك هذا العيد بما فيه من لهو ومرح وقصف وعزف! ويحك! لقد جاء علي حين من الدهر أحببت فيه كما تحب أنت اليوم. . . وكنت أسجل حبي بالهدايا والتذكارات، فما لك لا تشتري لحبيبتك من البائع المتجول كما يشتري الولدان لعذاراهم؟)
وقال فلوريزيل، وهو لا يدري أنه يخاطب أباه ومولاه:
(تالله يا أبتاه الشيخ لو أطلعت على ما في جوانحنا لا ستقللت الدينا بأسرها هدية لحبيبتي برديتا. وإن هديتي لها هي هنا. . . في هذا المكان الأمين. . . في قلبي)
ثم التفت إلى الفتاة وقال: (أوه يا برديتا! أصغي إلي يا حبيبتي! لقد سأل هذا الرجل الشيخ أن أقدم لك هدية كما كان يفعل إذ هو فتى ذو صبابة وذو هوى! فهأنذا أقدم لك فؤادي بين