غضب بوليكسينز، وحيث تتيح الفرصة للود القديم فيحيا ويتجدد، وتتهيأ القلوب للمصافاة فتنسى
وعرض عليهما ما بدا له من الفرار فانشرحا له ووافقا عليه؛ ثم كلم الراعي في شأنه ونعمه وقطعانه فتركها في عهدة صديق له وجمع ما خف حمله من مال وما أحتفظ به من جواهر برديتا وثيابها التي وجدها فيها والورقة التي كتب عليها أسمها وشيء من نسبها وحديث مأساتها. . . ثم لاذ الجميع بالفرار
وكانت مجازفة مليئة بالشجن، في طريق محفوفة بالمخاطر
وأستأذن كاميللو على صديقه ملك صقلية، فتلقاه بعينين باكيتين محزونتين، وضمه إلى صدره كأنما كان يعانق أشباح الذكريات الحبيبة، ويضم طيف الماضي العزيز. . .
- مرحباً كاميللو. . . مرحباً بحبيبي المخلص، ومشيري الأمين.
- مولاي!. . .
ثم انحبس منطق الرجل فلم يزد على هذا، وترك لدموعه أن تتكلم!!
ولما هدآ، وسكنت نفسهما، قدم إليه كاميللو ولي العهد بوهيميا، ابن صديقه الأعز، وحبيبه الأوفى، بوليكسينز! فتبسم له الملك، وتلقاه بالأهل وبالسهل، ثم طبع على جبينه قبلة التكفير عما ظن بأبيه من سوء. وقدم فلوريزيل فتاته برديتا قائلاً: (خطيبتي الأميرة برديتا يا مولاي!) وهش لها الملك وبش، ولكن سرعان ما تبددت ابتساماته في جو من الذكرى دهم فؤاده فجأة!
لقد نظر الملك إلى الفتاة الجميلة الرائعة فكأنما وقف في ظهيرة غائمة قاتمة فوق قلة جبل، ينظر إلى أشعة الشمس تغمر سهلاً نائياً كله ورود ورياحين وأزهار!
لقد ذكر ماضياً سعيداً حافلاً بالهناء عند ما رأى برديتا!
لقد رأى في عينيها أحلامه المواضي الرائعات!
لقد أحس بقلبه يثب من صدره إلى حدقته ليرى إلى الأميرة القادمة؟!
وي! ترى! هل من الجنة آبت هرميون!
أليس هذا هو طيفها الحبيب يتمثل له في هذه العذراء المفتان؟
ولحظ الراعي ما بده الملك من برديتا فوجب قلبه، وطفت ذكرياته القديمة فوق بحر لجي