تارة نائحة وأخرى شجية ليسدل الستار بعد ذلك وقد غابت سميرة في طريق، وأنحدر (الأبله) و (هو) في طريق آخر!
أما إطار الرواية، فقد أتى المؤلف على وصفه في البيتين إذ قال:
(في مفرق الطريق أي حيث ينفرج يميناً مناراً وصاعداً، ويساراً مظلماً ومنحدراً، يلتقي العقل والشعور فيتجاذبان المرء، ولكل منهما خطة من القوة والغلبة، وأما الجانب المظلم فحيث يقهر الشعور العقل فينحدر المرء وقد عمى رشده إلى غاية تحترق عندها النفس، أما الجانب المنار فحيث يصرع العقل الشعور فيسلك المرء في صعود مثلوجة يحيا عندها بنجوة من الاحتراق)
وهو وصف معبر للمعالم المعنوية التي تجري فيها حادثة الرواية وهي معالم أقامها الرمز عن طريق الإضاءة في صعود الحظ أو هبوطه؛ وبهذا برز للرمزية في الرواية طابع مرئي من حيث المبنى، وهو سبيل التعبير في الرواية عن المعنى
وما كان للمؤلف، لولا حرصه على تيسير الفهم على القارئ للرواية، أن يورد بعد ذلك في تبيينه أوصاف شخصيات الرواية، إذ أن في حوارها المقتضب والمضطرب، والذي يشير ولا يبين، ما يكفي للإبانة عن أنها شخصيات تتحرك وتتكلم في إشراق روحاني وبإيماء من العقل الباطن، وتبدر منها اللوامع النفسية متجردة من السجف والأقنعة
(سميرة) المحور الأساسي في الرواية، هي الرمز الحي للإنسان الذي ينتهبه الماضي بحلاوته والماضي بمرارته، وفيها يتجلى الصراع الذي لا ينقطع عن القيام بين العقل والعاطفة، وهو صراع لم يكتب لأحدنا أن يكون في منجاة منه، وإنما تختلف مواقفنا منه باختلاف انفعالات وملابسات الأحوال.
أما باعث الخامد ومثير الماضي فهو الشخصية التي أطلق عليها المؤلف أسم (هو)، فمنه ينطلق التيار فتختلج (سميرة) مترنحة بين العقل والعاطفة، وبقطب (الأبله) وجهه وقد ساورته المخاوف
وما (الأبله)، وهو الشخصية الثالثة في الرواية إلا رمز لمسكة العقل التي نجدها بعد أن يعيينا الضرب في مفاوز العاطفة الضالة فنتعلق بها لنستريح ونريح
وتهب أنفاس المؤلف على هذه الشخصيات نافحة فيها حياة غزيرة متدفقة فإذا بها تتحرك