تتنازعه الهواجس والعواطف والميول. وعلينا نحن أن نبسط له من العلوم ما يتروّاه وينعم به. أما وسائلنا فخيرها ما ساير ميول الطفل حتى يدفعه الشوق إلى الاستزادة من ألوان المعرفة، وحتى يصبح تعليمه داخلياً فعالاً لا خارجياً لا يكاد يتدسى إلى الصميم
وإلى جانب تلك المدرسة النفسية الغامرة ظهرت مدرسة أخرى تؤمن بالغرائز والميول أيضاً، لكنها تؤمن فوق كل ذلك بما يسمونه الأفعال المنعكسة وتلك مدرسة العالم النفسي بافلوف؛ فلا يذهب هؤلاء في تقدير الغرائز مثل ما يذهب أصحاب فرويد ولا يمعنون في تقديرها مثلما يمعن الأولون، وإنما يضعونها جنباً إلى جنب مع الأفعال المنعكسة التي يستطيع أن يكسبها الطفل، ويؤمن هؤلاء بأن الغرائز والميول قابلة للتعديل عند الإنسان وأنه قد يكسب نوعاً خاصاً من المهارة إذا هو وضع تحت مؤثر دائم متكرر. فالتقليد والتكرار والمراجعة كل أولئك جديرة بأن ترشد المتعلم إلى إحسان المهارات وهي جديرة بأن تكون أساساً ثابتاً لعلوم كسب المهارة
ومدرسة بافلوف ومدرسة فرويد كلتاهما على حق. وهما في ذاتهما تمثلان وجهتي نظر مختلفتين لكنهما متكاملتان. أما الأولى فهي تمثل الحرية في التربية، وأما الثانية فهي تمثل النظام. الأولى تعترف بملكات الطفل وقواته، والثانية تحاول أن تشيع نظاماً خاصاً يأتلف تلك الملكات، والأولى تسمح للطفل بأن ينمي كل ما وهب من مدارك، والثانية تربط تلك المدارك بعضها ببعض حتى تصبح موثوقة الأجزاء مرتبطة الأطراف
والآراء النفسية التي يذهب إليها الفريقان تخلق دستوراً بأكمله نجتلي فيه أحسن الوسائل لتعليم اللغات، فاللغة من ناحية ينبغي لها أن ترتبط بالميول والغرائز التي تجتمع لدى الطفل. وينبغي أن تكون مادتها بحيث تهز مشاعره وتحرك أعطاف قلبه، وهي من ناحية أخرى إحدى المهارات التي يكسبها الأطفال كأي فعل منعكس آخر، ولن يتأتى ذلك حتى يكون إحسانها نتيجة لمؤثر أو باعث شديد دائم متكرر. من هذين الوجهين ينبغي لنا أن نثبت الوسائل التي تكفل إدراك الغايات من تعلم العربية. وسنرى في نقد وسائل التعليم الحاضرة أنها بعيدة كل البعد عن ميول التلاميذ من جهة، وإنها لا تقوم على بواعث شديدة متكررة من جهة أخرى، وأن تعليمها عندنا لن يستقيم حتى نداول بين هذين الوجهين من وجوه التربية الحديثة