تتصل طرق تعليم اللغات إذن بميول الإنسان وغرائزه. وقد بحث المربون اقرب تلك الميول وأكثرها مواتاة فوجدوا أن اللعب يجلوها، واتخذه كثير من المربين وسيلة من وسائل التعليم، واللعب بمعناه النفسي فيض من النشاط الذي يغمر نفس الطفل، وهو اشد أثراً فيها من العمل. فالعمل يفرض فرضاً لكن اللعب بادرة من وحي النفس، وللعمل غرض قد يكون نفعياً يفسد النشاط ويخبث النفس، ولكن اللعب لا يعرف لنفسه حدوداً، ولا ينقلب شراً إلا إذا اصبح عبثاً غير محمود. وفي اللعب تتنظر قوى الأطفال بأكملها وتتوافى مداركهم، واللعب في المدرسة الحديثة وسيلة للعمل فإذا أفلح معلمو اللغات في اتجاه وسيلة لتعليمها حققوا ما ذهب إليه علماء النفس وربطوا اللغة بالميول الفطرية ربطاً محكما لا انفصام له
ولعل القصة أول أنواع اللعب التي نستعين بها في تعليم اللغة. وعند الطفل ميل طبيعي للتمثيل. ولسنا نقصد بالتمثيل ذلك النوع المسرحي الذي يحسنه الممثلون، وإنما نقصد ما يميل إليه الأطفال من إحلال أنفسهم محل بطل القصة أو بطلتها. وأنت إذا بحثت عقيدة الطفل - بل إذا تعمقت عقائدنا الأدبية - وجدت أنها خليط من الحقيقة والخيال. ففي القصة يتمثل القارئ أو السامع نفسه في الشخصية الروائية التي يميل إليها. فالبطل ينقذ فتاة، والبطل يقود أمة نحو المجد، والبطل كثير الحيطة أيد شجاع، وخلال القصة تعلو عقيدة الطفل حتى ليحسب الخيال واقعاً، وحتى ليتداخله الزهو فيخال نفسه بطلا. ذلك عندنا نوع اللعب الذي يدفع بالناشئين إلى القراءة، فهو يستغرق تفكيرهم، وهو يستهلك جهدهم. وهو بعد ذلك دعامة لا تتزايل من دعامات اللغة
ولسنا ندري من الملوم على حالة الكساد التي قضت على أدب الطفولة عندنا، لكنا نرى عند الطفل الإنجليزي آلافاً من الكتب الجميلة التي تزخر بالصور والرسوم. والطفل الإنجليزي يمتع في صباه بما يرى وبما يقرأ، وهو يندفع وراء القراءة بوحي نفسه، لأن كل هذه الكتب تصادف هواه، لكن الطفل المصري محدود الاختيار. فالمدرسة لا تعترف بما يقرأه في الخارج مهما بلغت عنايته بالقراءة، وهو لا يجد إلا قليلاً من القصص المترجم إذا شاء أن يقرأ، وإنه ليصرفه عن القراءة تبرم بعض المدرسين بالقصة ووصفها بأنها