فطلع (أبسن) - وذلك في أقصى الشمال ببلاد النرويج - بروايات رمزية أهمها (براند) و (بيرجينت)، وانحدرت الرمزية إلى البلجيك وهولندا، فلاقت مستقراً خصباً إذ الطبيعة في تلك البلاد تبدو كأنها غارقة في التفكير والتروي والمراجعة، وسرت عدوى الرمزية إلى فرنسا فطبعت أدبها وفنها ردحاً من الزمن تحتفظ منه واعية الأدب بأسماء (فيرهارين) و (رودنباخ) و (فان لربرج) و (رامبو) و (فيرلين) و (مالارميه) في الشعر، ثم (ماترلنخ) في الروايات التمثيلية. وكانت الحقبة الأخيرة من القرن الماضي عصر ازدهار للأدب الرمزي في فرنسا، وكانت الحركة في صميمها نزعة إلى التحرر من أدب الواقع والملموس إلى ارتياد أفاق جديدة طلباً للبحث عن الغامض من العواطف والتائه من الخلجات في منعطفات الروح ومثاني المادة؛ وهاديهم في البحث والتنقيب الإحساس المرهف والإدراك المحض (والتخيل المنسرح)، وصاغوا ما انتهوا إليه في أسلوب طريف مترع بالأخيلة مشرق بالروحانية. إلا أنه كان للبعض منهم شطحات في الخيال، وجولات بعيدة فيما وراء المادة، وغوص عميق في متاهات القلب لم يخرجوا منه بكثير يؤبه له
ولا يتسع هذا المقام للإحاطة بالرمزية في آداب الأمم الأخرى
الرمزية في الأدب الإسلامي
أما في العربية الاسلامية، فالصوفية أبين مظاهر الرمزية. إلا أن الرمزية كانت لدى العرب علماً وليست فناً؛ وبين العلم والفن فارق معروف، ولذلك لم تفرض طابعها على كثير من الأدب الإسلامي، وإن استقامت لها طريقة في شعر (الخيام) وأمثاله، ومن أخذ عنهم، أو نحوا نحوه
والرمزية عند (الخيام) ضرب من الفورة الحسية حلت فيها عبقة روحانية
ولعل السبب في أن الأدب العربي لم ينحرف إلى الرمزية الغامضة في كثير من نتاجه، ويخرج عن الواقعية و (الكلاسيكية) يرجع إلى الطبع البدوي الذي يميل إلى الوضوح والبساطة، وإلى طبيعة البلاد التي نشأ ودرج وشب فيها، حيث الشمس تسطع من أول النهار إلى آخره في سماء صافية متدخلة في الثنايا والشقوق، كاشفة عن ظواهر الأشياء في