للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على الناس بالحديد والنار! وحسبك بها من تهمه حين يقولها العقاد!

أن للعقاد مفاجآت عجيبة النقد، تمثل العقاد الكاتب المرن المحتال في أساليب السياسة، اكثر مما تمثله ناقداً محيطا يدفع الرأي بالرأي والبرهان بالبرهان!

وقرأت مقالة العقاد في الرد على الرافعي، فوجدت أسلوباً في الرد لم اكن انتظره، يؤلم ولا يفحم، ويقابل الجرح بالجرح لا بالعلاج. فما فرغت من قراءة المقال حتى تمثل لي الرافعي مرّبد الوجه من غيض وغضب، مزبد الشتقين من حنق وانفعال؛ فسرني أن أسعى إليه قبل ميعادي لأراه في غيظه وحنقه وانفعاله، فانتهزت ساعة فراغ في الظهر، فمضيت إليه في (المحكمة)؛ فما كاد يراني مقبلاً عليه حتى هتف بي وهو يبتسم ابتسامة المسرور ثم قال: (أقرأت مقالة العقاد؟) قلت: (نعم) قال: (فماذا رأيت فيها؟) قلت: (لقد كان شديداً مؤلماً!) فضحك وقال: (والله ما رأيت كاليوم! لقد ضحكت حتى وجعني قلبي من شدة الضحك. . . إنه لم يكتب شيئاً، ولم يرد علي شيء؛ أن سبابه وشتمه لن يجعله عند القراء شاعراً كما يشتهى أن يكون، وأن حسب أنه به يكسب المعركة. لقد حق عليه ما قلت فيه، وأنه ليعترف. أن فراره من الرد إلى السباب والشتيمة ليس إلا اعترافاً بالعجز. . .)

قلت: (إذن فأنت لا تنوي الرد؟)

قال: (وأي شيء تراه يستحق الرد فيما كتب؟)

قلت: (ولكن القراء لن يفهموا سكوتك على وجهه، ولن يسموه إلا انسحاباً من المعركة. . .! أفترضى أن يقال عنك. . .؟)

وبدا على الرافعي كأنه اقتنع، وهاجته كلماتي مرة أخرى إلى النضال. ومعذرة ثانيه إلى الأستاذ العقاد!

إن معركة تدور رحاها بين العقاد والرافعي جديرة بأن يحتفل لها الأدباء وان تنال من اهتمامهم أوفى نصيب، وإن لهم فيها لمتاعاً ولذة وفائدة. وما كان لي أن أقنع وقد هجت هذه المعركة بما فيها من متاع ولذة وفائدة بأن تنتهي من أول شوط!

وقال لي الرافعي: (فهل توافيني الليلة لأملي عليك؟)

فواعدته وذهبت إليه في المساء، فأملى عليّ فصلا من نسخته الخاصة لكليلة ودمنة، بعنوان (الثور والجزار والسكين!) ثم أتمه مقالا في الرد على العقاد. وكان فصلا قاسياً عنيفاً، ليس

<<  <  ج:
ص:  >  >>