إليه يشعرون أن روحاً قوياً يسرى إليهم منه وإن لم يتبينوا ما هو؛ وكذلك أخذت تطل عليهم نفسه في فيض من قصصه. . .
أما في المجلس فقد كان أول الأمر بحيث لا يحسب أحد أنه سيكون يوماً من النابهين، ولكنه ما لبث أن بدد هذا الزعم بخطاب احتفل له وجعل له كثيراً من الأهمية، يتبين لنا ذلك فيما كتبه في هذا الشأن إلى صديقه هرندن؛ وكان الخطاب يدور حول الحرب القائمة في تكساس، وجه فيه لوماً عنيفاً إلى رئيس الاتحاد أن خرج بهذه الحرب عن الدستور كما فرط بها في جانب العدالة والخلق
قال لنكولن:(ليذكر الرئيس أنه يجلس حيث كان يجلس وشنجطون، وليجب إذا ذكر كما كان يجيب وشنجطون، وكما أنه لا يليق بأمة أن تهرب من الحق، والله لا يسمح أن يهرب منه. كذلك ليتجنب الرئيس الهرب والمراغة؛ فإذا استطاع بعد ذلك أن يقيم الدليل على أن الأرض التي سالت عليها الدماء أول ما سالت هي أرضنا فإني موافقه فيما يسوق من مبررات. ولكنه إن عجز عن ذلك أو أحجم عنه فإني حينئذ خليق أن آخذ على اليقين ما يقوم في نفسي فعلاً مما هو أكثر من الظن، فأرى أنه يشعر بخطئه، وأنه يشعر أن الدم الذي سال في تلك الحرب هو كدم قابيل يستصرخ السماء ضده)
ولكن تلك الحرب كانت في نظر الناس أمراً مستساغاً لأنها ستضم إلى الولايات أرضاً جديدة، كما أن جيوش الولايات كانت ظافرة فيها. من أجل ذلك لم ينل ابراهام بخطابه من الرئيس، كما أنه لم يظفر بتأييد أو قبول من جانب زملائه. ولقد أحس هو بضعف موقفه ولهذا جعل الأمر في المهاجمة أمر خلق لا أمر سياسة؛ وأخذ يندد بضم تكساس على رغمها ويستنكر ذلك الفعل على الأخص أن كان صدوره من دولة تدعو إلى الحرية وتباهى العالم بأنها أرض الحرية
وكان مما جاء في ذلك الخطاب قوله:(إن من حق أية أمة في أية جهة إذا أحست في نفسها الميل واستثمرت القوة أن تثور في وجه الحكومة القائمة وتعصف بها، ثم تقيم بعد ذلك من الحكومات ما يكون أكثر ملاءمة لها). وإنا لنراه بذلك يجعل للثورات صفة شرعية، كما إننا نفهم من هذا المبدأ مبدأ آخر جاء ضمنه ألا وهو مبدأ سلطة الأمة ووجودها في أساس كل سلطة!