مختار: أخبرني إحسان بك أنك ستسافر هذا المساء إلى استامبول، فاستغربت، أولا لأنك كنت قد قررت إلا تسافر هذه السنة، وثانيا لأن فصل الصيف أوشك أن ينتهي. نحن الآن في أواخر شهر يوليه، خير إن شاء الله! ما الداعي للسفر بغتة؟
فايد: شعوري بضعف، وحاجتي إلى تبديل الهواء.
إحسان: لا ضعف هناك ولا خلافه. لابد أن هناك سبب تخفيه وأظنني أدركته.
فايد:(ينظر إلى إحسان نظرة عتاب ويقول:)
قد يعتقد مختار بك الآن ان لسفري سببا أخفيه، مع أن الحقيقة هي ما ذكرت. نعم كنت قررت إلا أسافر هذا العام، ولكن حر الصيف فوق المألوف فأضعفني وشعرت بضرورة الفرار منه، لذلك عزمت على السفر إلى استامبول لأمكث بها شهري أغسطس وسبتمبر، ثم أعود في أوائل أكتوبر حين يصبح جو القاهرة محتملا. وقد حجزت لي محلا بالباخرة التركية التي ستبرح الإسكندرية غدا. . .
مختار: ومنعك استعدادك للسفر عن الحضور ليلة أمس لقضاء السهرة بمنزل حكمت هانم، فسألتني عنك فأجبتها انك لابد حاضر، ولكنك كذبتني ولم تحضر.
فايد: أرجو المعذرة، كنت عازما على الحضور ولكن خانني الوقت. فلم أكد أفرغ من ترتيب أموري مع الكاتب والخدم أثناء غيابي عنكم حتى كان الليل قد انتصف.
مختار: كنت أظنك مغتبطا بصداقة حكمت هانم التي رحبت بك وخصتك بكثير من عطفها، وكانت دائما تدعوك إلى سهراتها البديعة البهيجة. كنت أظنك مثلي قد بلغ بك الإخلاص في الود إلى درجة لا تستطيع معها فراقها، ولكن يظهر أن قلبك لم يقدر صداقتها كما يقدرها قلبي، لذلك سمح لك أن تسافر وتحرم رؤيتها شهورا عدة، بينما لا يمكن لقلبي أن يسمح لي أن احرم منها يوما واحدا. ولكن لا بأس في ذلك، فلكل منا ميله وشعوره، وكل ما ألومك عليه أنك لم تحضر عندها ليلة أمس ولم تستأذن منها في السفر. لا تؤاخذني يا فايد بك. أنا الذي عرفتك بها وقدمتك اليها كولدي العزيز وأنت تعلم مكانتها عندي.
فايد: إني آسف اشد الأسف لأني لم أتمكن من الذهاب اليها ليلة أمس وتوديعها وشكرها