لبرونتيير شيء من هذا المنطق العلمي فإن تطوراته جاءت تحتوى تنظيما للتغيرات الأدبية، تصنف الآثار الأدبية كما يصنف علم الطبيعة أنواع الأحياء. وكان لنقده تأثير كبير في الأندية الأدبية. ولم يكن هذا النقد يعتمد على الأحوال العلمية فحسب، بل كان يرجع إلى التاريخ وإلى معرفة واسعة للآثار والنصوص. وذلك ما كان مجهولاً قبله، ولقد كان قبل كونه نقاراً محارباً نقاداً قاسياً ذكياً. فهو وحده أعلى شأن الكتاب المهملين وشأن كل الحركات الفكرية المهجورة لأنها لم تأت في أثر مذكور، أو قول مأثور. وكان ذا موهبة خطابية يعلمها من كان يشهد محاضراته، وتشهد عليها تلك الأفواج الكثيرة التي كانت تسحرها لهجته ويفتنها بيانه
أدب الحياة
إن المدرسة الرمزية كالمدرسة البرناسية تعمل على الانطلاق من حياة الجماعات، لا يؤلف أصحابها إلا لأنفسهم خاصة. فهم ينظمون شعراً لفئة خاصة، وإذا هم ترنموا بالحياة لم يترنموا بالحياة العامة التي يظهر فيها القطيع الإنساني قطيعاً بائساً يمشى على إيقاع القوات الحاكمة. والعودة إلى الأدب الاجتماعي ومحو التشاؤم (البرناسي) قد ولدا مدارس وآثار تريد أن تترنم بالحياة وتملأها شدواً وحناناً وجمالاً. وقد أسس (بوهيلي ومونتفورو موريس) مذهباً بعيد للإنسانية جمالها البطولي، وينظم الروابط التي تصلها بالوجود، وينير شعاعها القوي في الطبيعة. وهذا الشاعر (فرناند جميك) يذود عن الإنسانية التي تحتل مكانها في الوجود بواسطة الإنسان. وبعد هذا فإن الوحدة التي أعلنها (جول رومان) والتي تسعى إلى التعبير بصورة رمزية لا عن نفس ولا عن أنفس، ولكن عن النفس الإنسانية عامة التي تبدو حيناً متحدة وحيناً منقسمة. هي النفس الحقيقية العميقة من النفوس البشرية؛ ومن أظهر آثاره في هذا المعنى (الجيش في المدينة)
ومثال ذلك من الشعراء مقاطيع (أميل فارهارم) الشاعر البلجيكي. ولد في (سانت راماند) بالقرب من (أنفرس) سنة ١٨٥٥. وقد درس الحقوق في أول عهده ثم وقف حياته كلها على الشعر، ودرس خلال ذلك أسرار النفوس الخفية. ومات سنة ١٩١٦
عاش (فارهارم) وتثقف في بلد هادئ، وفي قلب أسرة متدينة غنية بالعافية مطمئنة القلب. ونشأ هو درّيساً مرحاً وإنساناً يجنح إلى الطرب. وبعد أن قل ميله إلى المدرسة الكلاسيكية