ولكن سرعان ما شفي من هذه الحالة النفسية فلم يعد يميل إلا إلى الطرب والنور. وبدلاً من تلك المطاحن السوداء والمآسي وحفاري القبور وكل ما يبعث على الأسى اخذ ينظر إلى السنابل المتحركة والمطاحن الفرحة ويسمع الصراصير ويفهم كل أشكال النور والخصب وفرح الحياة. ألم يكن يجد في كل حالة شقاء له وكمداً دون أن يقدر على الفرار من هذا الكمد! كان يحيى في عالم صاخب، ومذ عاد إليه إيمانه الاجتماعي وتفاؤله نشأ عنده ميل إلى كل ما يرن ويدوي، وإلى كل ما لا يسقط كالسهم في النور. وإنما ينساح كالجدول المناسب في الغابة. فتش فوجد الشعر العاطفي هو الذي يقدر أن يعبر عن هذا الشعر للحياة الهامسة المضطربة، هذا الشعر الخطابي حيث تدور الفصاحة فيه وتسيطر عليه. وأطياف من الصور القاسية التي تنتهي بالذوبان في شبه وحدة متحركة في الإيقاع الناعم القاسي لحياة لا تجري على نظاماً متبوع!