يتغلغلان بها إلى أعماق القلوب، وكذلك كان يفعل هافلوك أليس، وما يزال؛ إلا أن أليس عالم يحلل النفس وكأنه في معمل من هذه الحياة، وقصته (أوليز) آية علمه، وقصته الجديدة (رقصة الحياة) آية أخرى. . . وألدوس هوكسلي ثائر من صنف أليس، وعالم مثله، وبينه وبين ولز صداقة حميمة، ويحسبه القارئ من تلاميذ شو، لكنه في الحقيقة تلميذ السويدي العظيم هنريك إبسن، وقد ظل طوال حياته الأدبية متأثراً بطريقته فهو يهدم ولا يبني، ويشخص ولا يصف العلاج. . . ولكن انقلاباً عظيماً حدث فجأة في حياة هذا الأديب الكبير، فقد اصدراً كتاباً جديداً له أسماه الغايات والوسائل & تناول فيه علل الحياة الحاضرة من سياسة وتعليم واقتصاد وأطماع فجعل يبدئ ويعيد في أسبابها، ثم يشرع بعد ذلك في وصف الدواء لكل حالة. وقد فزع هوكسلي في مقدمة كتابه من الحالة المخيفة التي انتهى إليها العالم جملة والأفراد متأثرين بما يرون من أعراض العلل التي تنتاب الأمم في موكبها المضطرب الذي تسير فيه إلى نكبة محققة. . . وقد اعتدل هوكسلي في مؤلفه الجديد فيما يخص الأديان، بل هو يعترف أن التدين سيلعب دوره الخطير في رد العالم إلى التعقل، ويبدو هنا أنه تأثر بالأديب الفيلسوف الفرنسي الكبير برغسون الذي وقف لوالد المؤلف ولداروين بالمرصاد، يرد نظرياتهم المادية، ويقفها صامته جامدة أمام حججه الروحية التي لم يستطيعا نقضها، والتي جاء مؤلف هوكسلي يؤيدها ويبشر بها. . . وينعى هوكسلي على طريق التعليم والتربية المنتشرة في العالم اليوم أنها رثة بالية، وأن مكروب الفساد الذي ينخر في كيان البشرية في هذا العصر ينتشر من رممها ويتكاثر فيها، ودليله أن أرق الأمم وأقواها، وأكثرها مدنية ومدارس وجامعات هي التي تهدد سلام العالم وتتربص بغيرها الدوائر، وتعد أدوات الدمار لساعة الجد؛ ولو كانت وسائل التربية والتثقيف ناجعة لما نامت الملائكة واستيقظت الشياطين وتأججت الحفائظ بالعداوات بين الدول. . . وهوكسلي هنا يبدو من أنصار فكرة السلام العالمي، بل هو من دعاة البشرية التي بحّ صوت ولز بتحبيذها. . . وقد وجم الرأسماليون الإنجليز من صيحة هوكسلي، وبدءوا يسفهون فلسفته الاجتماعية الجديدة، وهذا لأنه عاب توزيع الثروة العالمية بين الأمم، وصرح بأن استئثار بعض الدول دون البعض بخيرات الأرض هو شل لنشاط أمم ناهضة عاملة، كما أنه تخمة تشل نشاط الأمم المالكة