للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكثيراً ما يختلط أدب الذهن وأدب الطبع، إذا كان مع ذكاء وقوة. وما من شك أن الرافعي كان ذكياً قوي الذهن، ولكنه كان مغلقاً من ناحية الطبع والأريحية

أترى كبير فرق بين حكم الأديب وحكم الناقد؟

قد يكون، ولكنهما قريبا المأخذ، متحدا الإحساس.

وبعد فما كان أن يتفق العقاد والرافعي في شيء! فلكل منهما نهج لا يلتقي مع الآخر في شيء

العقاد أديب الطبع القوي والفطرة السليمة، والرافعي أديب الذهن الوضاء والذكاء اللماع

والعقاد متفتح النفس ريان القلب، والرافعي مغلق من هذه الناحية متفتح العقل وحده للفتات والومضات

والطاقة العامة لكل منهما في ناحيته متفاوتة بعد ذلك، فطاقة العقاد النفسية أقوى من طاقة الرافعي الذهنية، وعالم العقاد والحياة في نظره أشمل وأرحب بكثير من العالم الذي يعيش فيه الرافعي ويبصر الدنيا على ضوئه

وإذا لم تكن كلمة اليوم تتسع لضرب الأمثال، فستتسع الكلمات المقبلة للمثال بعد المثال

إنما يعنيني اليوم ما كتبه الأستاذ سعيد العريان!

ففيما كتبه وهو أخص أصدقاء الرافعي مصداق لكثير مما تخيلته فيه؛ وفيما كتبه عن العقاد أشياء كثيرة تستحق المراجعة؛ وسأبين هذا وذلك

في إباء الرافعي أن يشتري كتاب (وحي الأربعين) مع حاجته لنقده ما يشير إلى ضيق الأفق النفسي الذي كان يعيش فيه، وتصوير للون من الحقد الصغير قلما يعيش في (نفس) رحبة الجوانب متفتحة للحياة مستعدة لقبول صورها المختلفة المتعاقبة؛ وهذا ما كنت أتصوره من أدبه

وفي البواعث التي تدعوه لنقد وحي الأربعين كما صورها صديقه ما يصور نظرة الرجل إلى النقد والأدب والغاية منهما، ومدى نظرته العامة للحياة، واتساع مداها في نفسه، وهو لا يبعد كثيراً عن المدى الذي تصورته له

وفي اختيار الظروف السياسية للنكاية، دون أن يكون وراءها عقيدة ما، إلا شفاء الحزازات، كالمقال الذي كتبه في الكوكب، وكلمة وكليمة بالرسالة ما يؤيد خلو الرجل من

<<  <  ج:
ص:  >  >>