في حاجة إلى بحث هذا الموضوع على ضوء من علم النفس وعلم الأخلاق وتطبيقهما على العالم الأدبي، فطالما سمعت وصف الكلام بهذين الوصفين، مستمداً هذا الوصف من ألفاظ الكلام دون بحث أسبابه، والحالة التي يعالجها
وطبيعي أن الحكم على الكلام وحده، مجرداً عن بواعثه وملابساته حكم شكلي، إن أرضي ذوي المواهب الذهنية، فلن يرضى ذوي المواهب النفسية؛ وإن أرضي العقل فلن يرضى القلب
وفي هذا عودة إلى الفوارق الأساسية بين مدرسة العقاد ومدرسة الرافعي!
كتب الرافعي عن وحي الأربعين كلاماً يعترف الأستاذ ببواعثه الأصلية، والعقاد يعرف هذا، ويعتقد في صفات الرجل النفسية، وفي نصيبه من الطبع السليم والفهم المتفتح أشد مما أعتقد أنا. ودواعيه لذلك الاعتقاد كثيرة ومفهومة، فإذا كتب يصور الرافعي كما هو في خيال العقاد، وكما هو في الحقيقة، فليس الذنب ذنب العقاد في قسوته، فإنما هو يصور حقيقة، أو على الأقل ما يعتقد هو أنه حقيقة
وإذا كتب عن (مخلوف) يتهكم به، ويشنع بسوء فهمه للأدب، فمبعث ذلك عظم الفرق بين طاقة العقاد وطاقة مخلوف، والحنق على أن يكون مثل هذا ناقداً لمثل ذاك
والحق أن هذا مما تضيق به الصدور. وقد كنت أنا لا العقاد مستعداً للثورة والحنق، لو تناول هؤلاء أدب بمثل هذا الضيق في الفهم، والاستغلاق في الشعور، أو بمثل التلاعبات الذهنية، واللفات البهلوانية، التي تناولا بها أدب العقاد
ثم لا بد من عتب على الأستاذ سعيد في أن يسمح لصداقته للرافعي أن تعدو على التقدير الصحيح للعقاد، فيعرض بلقب (أمير الشعراء) الذي (ينحله) الدكتور طه حسين بك للعقاد (تملقاً) للشعب ونزولا على هواه
وما أريد أن أبحث عن بواعث الدكتور طه لإطلاق هذا اللقب، فصلتي بالدكتور لا تزال حتى اليوم لا تسمح لي بتفسير حقيقة بواعثه. والحكم على النيات عمل عسير لا يصح الاستخفاف به، ولكنني أتحدث عن مظهر هذا التصرف لا عن باعته. ورأيي أن هذا اللقب غير لائق بالعقاد، لأن المسافة بينه وبين شعراء العربية في هذا العصر أوسع من المسافة بين السوقة والأمراء