للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نحو الأربعين من عمره انتخب مباشرة عضواً في مجلس الشيوخ الفرنسي عن منطقة الرون، متخطياً مجلس النواب، فكان أصغر عضو في ذلك المجلس عام ١٩١٢؛ ثم تطرق بعد ذلك إلى منصب الوزارة، ثم إلى رياسة الوزراء، ثم إلى رياسة النواب، فكان في كل مرة مرحلة منها (الفيلسوف العادل)، (الموحد لما اختلف). ولعب بجوار ذلك دوراً لا يستهان به في تنظيم الحياة الداخلية لأمته إبان الحرب العظمى عندما ولاه الرئيس الوزير بريان وزارة الأشغال والمواصلات والمؤونة؛ ويمكن أن يتصور خطر هذا المنصب، والقتال قائم على قد وساق

وباعتباره (عمدة) لمدينة ليون، يكفي هذا أن يرفع نظر المصريين إليه، لأن لهم فيها ذكريات تتعلق بتاريخهم في العهد الحديث. فالرجل الذي قاد الجنود المصرية في ساحة الوغى، وأثبت للعالم سمو الروح الحربية عند المصريين، ووضع أسس الإمبراطورية المصرية، هو القائد سيف أو سليمان باشا الفرنساوي الذي ترك وطنه في مدينة (ليون)، بعد انهزام نابليون، ليعمل لحساب مؤسس الأسرة العلوية الكريمة، فكان عند حسن ظن محمد علي باشا فيه؛ فحقق ما رسم له خالق مصر الحديثة ومشيد عظمتها. كذلك ساهمت ليون بعلمائها الأعلام وعلى الخصوص الأستاذ لامبير في خلق مدرسة للفكر في مصر تتمثل في ذلك الشباب النابه الذي ورد شرعة العلم من سنين في هذه المدينة، والذين أصبحوا الآن من قادة الفكر في مصر، في الفلسفة الإسلامية، وفي عمادة الحقوق، وفي بطولة المحاكم المختلطة، وفي زعامة المحاماة والثقافة. والجميل في أمر هذه المدرسة، أن أهلها يعملون على إعلاء كلمة الوطن في نبل وهدوء وورع، دون أن يتخذوا من العلم سبيلا وضيعاً لمهاجمة معتقدات أهل البلاد ودينها، وتصويرها في حفلات عامة كقبائل المتوحشين لا هم لساكنيها إلا التفكير في المأكل والمشرب كما يفعل هذا الكثير من متخرجي السربون وجامعة باريس، وهو ما لا يليق بشباب يدعي الثقافة والفهم، ومكتوب على جوازه سفره أنه (مصري)

عبد العزيز عزت

عضو بعثة الجامعة المصرية لدكتوراه الدولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>