للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القسم الأول من هذه (المنتخبات) تشرح مبادئ الثورة والشروط اللازمة لتحقيق مبادئها. وفي الجزء الثاني تعرض للأصول العامة العقلية لإمكان تحقيق الجمهورية. وفي القسم الأخير تبسط أهمية أصول العقل في تغيير الحالة العامة في فرنسا في ذلك الحين. فهي بهذا المخطوط تكتب على طريقة أفلاطون في (جمهوريته) فترسم فرضاً سياسياً وإن كان يسوده الخيال، إلا أنه مع ذلك يحدد لنا نزعاتها الخاصة في الحكم، وكيف أنها تميل في نزعاتها إلى نوع معين من الديمقراطية لا نبني مباشرة على مبادئ الثورة الفرنسية بل على أصول التفكير والعقل الخالص

أما عن سياسته: فنقول إن السياسيين في أغلب أمم الأرض في زماننا هذا هم أكثر الناس جهلا بالسياسة وأصولها، وهذا الجهل راجع في نظري إلى أن السياسة أصبحت مجالاً للدجل والتهريج لا يطرق بابها إلا أصحاب الفراغ والجدة في كل شئ. ومن ادعى من رجالها العلم والفهم في مجالها، رجع في علمه وفهمه هذا إلى مفكري العصر الحديث، أولئك الذين يشرعون باسم المادة والاقتصاد، مع أن السياسة عند أهلها من آباء التفكير وخاصة أفلاطون الإلهي، تقوم على فهم طبيعة الإنسان الخاصة وتخلقه. لهذا كانت السياسة هي بيت القصيد في الفلسفات القديمة وكانت تتضمن دراسة هذا العلم، ودراسة الآداب، وعلى الخصوص دراسة الأخلاق؛ وكان لا يمكن أن يسمى الرجل (سياسياً) إلا إذا بلغ الخمسين من عمره، بعد أن عرك الحياة ووقف نظرياً وعملياً على طبائع الناس وتضارب ميولهم، وتباين تخلقاتهم، وأضاف إلى علمه بجوار منطق العقل، منطق الحياة. أما اليوم فهي لا تلم إلا (القش) (والرماد) في كل هيئة اجتماعية من الذين يؤمنون بما يوحي إليهم رجل كمكيافل أن السياسة هي (مكر ولؤم وخداع)، عوضاً من أن تكون (فلسفة، وأدبا، وأخلاقا)

لهذا كان الرئيس هريو ليس من المحدثين في السياسة، لأنه يسير وتعاليم اليونان القدماء، فهو لم يتعجل أن يطرق بابها، فيصيبه ما يصيب أهلها الآن من ابتسامات تقديرية لو فهمها الرجال منهم لأحمرت لها وجوههم. فبعد أن مهد لنفسه النضوج الفكري بثقافة جامعة وافية في الفلسفة والأدب، طرق مجال الخدمة الاجتماعية عملياً في عمادة مدينة ليون، فأثبت ما هو أهل له من العلم، وإحكام الادارة، وتصريف أمور الحياة بين الناس، حتى إذا كان في

<<  <  ج:
ص:  >  >>