وإن للمناخ والوسط تأثيراً كلياً وباستطاعتهما أن يغالبا الطبع الذاتي، ناهيك بأن التأثيرات التي تأتي من الجسد هي حالات وصدف تفر من كل منطق، ولقد تكون حياتنا الباطنة - في كثير من مواطنها - خالية من العقل
فالوراثة التي جعل منها - زولا - قاعدة علم النفس تستطيع أن ترتب الحوادث النفسية على حوادث سابقة. وأصحاب هذا المذهب يخضعون التحليل العلمي للمنطق العقلي، ويرجعون الحوادث النفسية لحالات عضوية خاضعة لنظم المادة. ولكن هذه المادية قد حطمت والتحليل العلمي قد نوقش فكان صبيانياً!
وهاهنا تظهر مبادئ علم النفس المدرسي التي ظن أنها تهدمت. فان بعض علماء ما وراء الطبيعة من الألمان - كشوبنهاور وهارتمان - جربوا بأن يقولوا: إن العالم لا يُقاد بالعقل، وإنما يقاد بالإرادة دون أن تحسب حساب نفسها، ودن أن تقلق لكونها حقه منطقية. ولقد كان لفلسفة (شوبنهاور) تأثير ذائع في فرنسا حول سنة ١٨٨٠ وهي ولا ريب تمت بصلة إلى علم ما وراء الطبيعة. ولكنها تعتمد في كثير من أصولها على نظريات نفسية طبية.
فإن آثار العالم - شاركوا - ١٨٧٠ - ١٨٩٠ تعمل على إثبات النظرية القائلة بأنه يمكن أن ينشأ في العقل من موضوع واحد أفكار وإيرادات مجهولة لا يعيها العقل الواعي؛ ولكنها تؤثر في الجسم تأثيراً أشد وأوسع مدى من تأثيره
والعالم - ريبو - بدرسه لأمراض الذاكرة والإرادة يثبت أن فينا - ذاكرات - لا نعيها ولكنها تحيا في أنفسنا منتحيه بعيدة، وباستطاعة داء ما أن يوقظها ويحيها. (وبطرس جابي) أقر بأنه يمكن في الكائن الواحد أن تقيم نفوس متعددة، كل نفس لها عالمها، وكل نفس تظهر بدورها. والفلاسفة أنفسهم يغادرون العالم الواعي ويفتشون عن المسائل الكبرى في عالم غير واعي حيث لا سلطه للعقل ولا للمنطق. والطبيب الكبير (فرويد) انطلق إلى دراسة الغريزة الجنسية وقال: إن فينا كائنين، كائناً طبيعياً يلائم طبيعتنا، وكائناً سطحياً يأتي بتأثير التربية والمجتمع. وشعورنا لا يريد أن يعرف إلا الثاني، ولكن الأول هو الذي يبقى قادراً قاهراً. وهو الذي يطلب ألينا في أعماق أنفسنا حركة أو حلماً أو جنوناً أو جريمة. وهذا التحليل النفسي - في عدم الوعي - لا يبقى مغلولاً في درس الحالات الشاذة. والفيلسوف - برغسون - يجد أن الشعور أو الوعي إن هو إلا جزء من كوننا