وهو يغني أنشودته الجميلة، ولم يحاول حتى أن يستفيد من وجود (رجاء) في الغرفة المجاورة، فقد كان في وسعه أن يتنقل بين الغرفتين، فنرى جلالاً يغني، ثم نرى (رجاء) مأخوذة بسحر صوته، وتبين على وجهها ملامح الانفعال والنشوة والطرب، مما يكسب القطعة حياة. وأي فارق بين هذا المشهد كما أخرجه كريم وبين أن نسمع هذا اللحن من الحاكي؟!
وفي مشهد (يا وردة الحب) اضطر عبد الوهاب أن يقف ويدور، ويجلس تارة على الكرسي، وتارة على المنضدة. وأن يتكلف في الجملة كثيراً من الإشارات والحركات حتى ينتهي من اللحن، كما أن إنشاده لقطعة (سبع سواقي) في مكتب العمل لم يكن طبيعيا مطلقا، وكان يمكن أن يهيأ الجو المناسب للقطعتين.
وإني لأعنى اكبر عناية بمشاهد الغناء في الفلم لانها الأساس فيه. ولذلك أطلت الحديث عنها عامدا. وكنت أود أن تكون عناية الأستاذ كريم بها اكبر، وتوفيقه في إبرازها أقوى واظهر. وقد كانت ميداناً صالحاً لإبراز الكفاية والموهبة والذوق الفني للمخرج.
ومما يعاب على الفلم القفزات التي فيه من ناحية الحوادث، والتي لم يمهد لها المخرج تمهيدا كافيا، ثم بساطة الإخراج في مجموعه مما يجعله اقرب إلى تسجيل الحوادث على طريقة مخبري الجرائد اليومية منه إلى الإبراز الفني الصحيح الذي يطبع الرواية بطابعه، ويجعل لها قيمة فنية تكسبها ذاتية خاصة. وكان في الوسع الاستغناء عن بعض مشاهد الفلم واختزال البعض الأخر. وكان يفيد ذلك في اضافة مشاهد جديدة تستقيم بها الحادثة، أو إطالة بعض المشاهد الموجودة التي تبدو كأنها مبتورة.
ومن المشاهد التي ضاعت تماما وكان يمكن أن تكون من المشاهد الفنية القوية التي لا ينساها المتفرج ابدا، مشهد إسماعيل بك عند زيارته لجلال يطلب منه كوالد قطع صلاته برجاء.
ولست أدري كيف غابت أهمية هذا المشهد عن المخرج، مع انه يكاد يكون أهم مشاهد الرواية، وهو نقطة التحول فيها. كان مشهدا فاتراً عليه مسحة التكلف وقد يكتفي مخرج نابه قدير بخلق موقف كهذا في سياق القصة ليبني عليه مجده وشهرته، وليضفي عليه من فنه حياة وقوة، لما فيه من أهمية الحادث وصراع العوامل المختلفة، مما يجد فيه المخرج