اتصل سببه بالرسالة؛ فكان يقضي وقته بين عيادة الدكتور شخاشيري في فم الخليج، وعبد القادر حمزة والمازني في البلاغ، وإخوان صروف في المقتطف، والزيات في دار الرسالة. ولم يلتق إلا مرة أو مرتين بالأستاذ أحمد أمين والدكتور عزام في لجنة التأليف والترجمة والنشر، عندما كانت اللجنة قائمة على طبع كتابه وحي القلم
قلت: إنه كانت بين الرافعي والشاعر علي محمود طه صلة من الود، ومنها أن الشاعر المهندس وضع له رسماً (تصميماً) للبيت الذي كان في نيته أن يبنيه لينتقل إليه وينقل دار كتبه قبل أن يموت. ولهذا البيت قصة لم تتم، لأن هذا البيت لم يتم. .، فقد كان كل ما ادخره الرافعي من جهاده بضعاً وثلاثين سنة بضع مئات من الجنيهات، اشترى بنصفها قراريط لينشئ فيها حديقة وبيتاً يسكنه - إذ كان ومازال إلى أن مات يسكن بيت أبيه - وبقي معه بعد ذلك قدر من المال لا يكفي نفقات البناء والإنشاء، فآثر أن ينتظر حتى يجتمع إليه شيء، وأسلف صهره ما بقي عنده من المال إلى أجل، وفي النفس أمل. . . ثم. . . ثم جاءت الأزمة فأكلت ثروة صهره جميعها لم تبق منها على شيء، وضاعت ذخيرة الرافعي فيما ضاع ولم يستطع المدين وفاء الدين، فلم يبق للرافعي من جهاده وما ادخر إلا الأرض الخربة، والأمل في عطف الله، وخطوط تبين حدود البيت وحجراته وأبهاءه وحديقته، مرسومة على ورقة زرقاء. . .!
وجاءه ديوان الشاعر علي محمود طه، وديوان الماحي؛ فدفعهما إلي لأختار له ما يقرأ من كليهما. ولم أكن عرف يومئذ ما بينه وبين الشاعر المهندس، ولكن رأيي في ديوانه وافق هواه؛ فما فرغت من قراءته حتى دفعته إليه وعلى هامشه إشارات بالقلم، وما دفعته إليه حتى تهيأ للكتابة عنه. . .
وأنشأ مقالة مسهبة نشرها في المقطم، تحدث فيها عن الشعر حديثاً يبين مذهبه وطريقته في فهم الشعر وفي إنشائه؛ ثم انثنى إلى الشاعر المهندس يمدح ويثني، وينتقد وينصح. . . وكان مؤمناً بما كتب، ولكن إيحاءات من الواعية الباطنة كانت تملي عليه بعض الحديث في التعريض ببعض الشعراء المعاصرين. . .
وتناول الأستاذ المازني ديوان (الملاح التائه) في البلاغ بعدما تناوله الرافعي، فعاب عليه أشياء كان يمتدحها الرافعي، وأخذ على الشاعر أنه كثير العناية باللفظ والعبارة وجزالة