الأسلوب؛ فكانت مقالة الأستاذ المازني حافزة للرافعي على أن ينشئ مقالة للرسالة في الرد عليه، جعل عنوانها (الصحافة لا تجني على الأدب ولكن على فنيته)؛ فبهذه المقالة كان الرافعي يقصد الأستاذ المازني، دفاعاً عن صديقه الشاعر، أو دفاعاً عن مذهبه في الشعر. وكانت هذه أولى مقالات الرافعي في الرسالة بعد فترة من مقالة (وحي الهجرة) وقد أنشأها على نهجه القديم، وحاول فيها فناً من التهكم في قصة اخترعها عن الأصمعي الراوية في عهد الرشيد
في الرسالة
كان الرافعي مفتوناُ بمقالاته الثلاث التي أنشأها في هذه الفترة: البلاغة النبوية، وحقيقة المسلم، ووحي الهجرة. وكان حسن وقعها عند كثير من القراء حافزاً له على الاستمرار في هذا الباب من الأدب الديني، فعقد النية على أن يكتب السيرة النبوية كلها على هذا النسق الفلسفي، ليجعلها كتاباً بعنوانه، يتناول سيرة النبي المعظم - صلى الله عليه وسلم - على طريقة من التحليل والفلسفة، لا على نسق من الرواية. فأنشأ بعد ذلك مقالاته:(سمو الفقر)، و (الإنسانية العليا)، ثم بان له من بعد أن هذا الفن من الإنشاء عسر الهضم عند كثير من قراء الرسالة، فتركه إلى موضوعات أخرى يعالج بها بعض مشاكل الاجتماع في الحياة المصرية، على أن يكتب ما يتيسر له من المقالات النبوية نجوماً في فترات متباعدة حتى لا يمل قراءه أو يثقل عليهم. وسأتحدث من بعد عن كل مقال من المقالات التي أنشأها للرسالة في الفترة التي صحبته فيها، لعل ذلك يعين على فهم أدب الرجل ودوافعه ومعانيه؛ ولعله يبلغ بي الوسيلة إلى الذين لا يفهمون أدب الرافعي ثم يحاولون أن يتحدثوا عن أدب الطبع وأدب الذهن، أو الأدب الفني والأدب النفسي. . .
ولكن علي قبل أن أبدأ هذا الحديث، أن أصف الرافعي حين يهم بموضوعه، ثم حين يفكر فيه، ثم حين يتهيأ لكتابته، ثم حين يمليه علي من القصاصات المبعثرة على مكتبه، فإن ذلك من الموضوع فاتحته وأوله:
اختيار الموضوع كان أول عمل يحتفل له الرافعي؛ وإذ كان لم يعمل في الصحافة قبل اشتغاله بالرسالة، فإنه لم يتعود من قبل أن يفتش عن الموضوع؛ ولم يكن يحاول الكتابة إلا أن يدفعه إلى الكتابة دافع يجده في نفسه قبل أن يطلبه؛ فلما دعاه الزيات ليكتب للرسالة