للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أوضاع الأشياء والمسائل) وزد على ذلك اختمار النزعة الصليبية في عقله الباطن وتملكها على أفكاره في الحكم على من يخالف تعاليم دينه الأول قبل إلحاده وكفره وزندقته فهو مثلاً (كما يذكر هو في كتابه (مقالات ومحاضرات) صفحة ٣٠٦، ٣٠٧) لا يتصور أن مسلماً مثل الشيخ رفاعة الطهطاوي يؤلف كتاباً عند عودته إلى مصر من باريس (على ضفاف السين) يشرح لبني وطنه حياته كطالب في فرنسا وفهمه لحالة العلم فيها وسبل الحياة في مرافقها. وسبب أخير أن (أشباه المستشرقين) هؤلاء آمنوا إيماناً مطلقاً بما يروى لهم في كتب تاريخ الفكر الإسلامي معتقدين (أن صاحب الدار أدرى بما فيها) مع أن هؤلاء المؤرخين أبلغ منهم في التسكع في هذا الباب. فرجل كالشهرستاني يكتب في الفلسفة عن طريق السماع والرواية وعدم الرجوع إلى ما ترجم من النصوص الفلسفية. وعند ما يكتب عن أفلاطون يخطئ حتى في كتابة اسمه مما دعا أحد هؤلاء المستشرقين - كما يؤكد مهرن - في مجلة جامعة لوفان أن يعتقد أنه يبسط آراء الشيخ اليوناني (صاحب التاسوعات) وعندما يعرض للكلام عن أرسطو يصوره كإله الفلاسفة؛ ويذهب لابن سينا للتحدث عنه، رجل كالقفطي إذا تحدث عن الفلسفة تركها وترك أصولها وتكلم عن الفلاسفة في حياتهم الخاصة وأنسابهم وأمهاتهم وأولادهم وغير ذلك من تافه الأمور؛ ورجل كالفارابي تختلط في ذهنه فلسفة أفلاطون وأرسطو فيعمد إلى التوفيق السقيم بينهما مع أن الأصول الأولى للعقلية الفلسفية هي الدقة في الإدراك والتصور، والتمييز بين تنوع الآراء المتقاربة ووضع حد فاصل بين المعتقدات والمذاهب (اقرأ نظرية أرسطو في التعريف). فانعدام الفهم الفلسفي في عقلية بعض من اهتم بالفلسفة من المسلمين ضلل المستشرقين الأولين. واستمر هذا الضلال في الفهم إلى أوائل القرن العشرين حيث ظهرت مدرسة جديدة في فرنسا نحترم تعاليمها في الاستشراق لأن أفرادها بغوا العلم وحده دون أغراض تخرج عنه في نزعاتهم الفكرية. وهذه المدرسة مهدت بدورها لمدرسة ظهرت في أوائل هذا العام فقط هي أبلغ من الأولى، سنعرض لهما في وقت آخر إن شاء الله.

(يتبع)

عبد العزيز عزت

<<  <  ج:
ص:  >  >>