قرائها قد راقهم من الموضوع جدته وطرافته، ولست اشك في ان يهم شوقا للاستزادة من تلك الفصول. فها هو قد أتمها اربعة عشر فصلا، وما ظن، وما أرجو، أن سيقف بها عند هذا الحد.
ان كتب الدكتور طه حسين من صنفين: الأول كتب أدبية بحتة والثاني كتب في نقد الأدب وفي تاريخه. وهو نفسه ينعت هذين النوعين بالأدب الإنشائي والأدب الوصفي، ويمثل الأول كاتب مثل شكسبير، ويمثل الثاني كاتب مثل سنت بوف. وأولى بنا أن ندعو النوع الأول بالأدب؛ والثاني بالنقد والضرب الأول هو الأسمى والأشرف، وكثير من الناس يستطيع أن يستحسن أو يستهجن وأن يبحث ويقرر. أما الابتداع فلم يتح إلا لقليل من الناس. ولقد حاول سنت بوف أن يكون شاعرا فلم يأت بعظيم، فانقلب إلى النقد ولسان حاله يقول: من استطاع فليكتب، ومن لم يستطع فلينتقد!
في هذه العبارات شيء من التحامل على الناقدين، وقد أوردناها على هذه الصورة عمدا لأننا نريد أن نتحامل على طه حسين الكاتب الناقد، وأن ننتصف منه لطه حسين المؤلف الأديب. فقد رأينا في الأستاذ أحياناً ولعاً بالانصراف إلى النقد وإلى المؤلفات النقدية مثل حديث الأربعاء وحافظ وشوقي والأدب الجاهلي. ولقد تعجبه هذه الضجة التي تبعثها كتاباته، ويغتبط بهذا العثير الذي يثيره في الفضاء ويملأ به الجو حيناً من الزمان. والحقيقة التي نرجو أن يدركها الأستاذ قبل فوات الأوان هي أن الصفحة الواحدة من كتاب (الأيام) أبقى على الزمن من كتاب الأدب الجاهلي كله.
ليس لطه حسين إذن في الأدب البحت سوى كتب ثلاثة:(الأيام) و (في الصيف) و (على هامش السيرة) الذي بين أيدينا.
ويمتاز هذا الكتاب الجديد من سابقيه بأن المؤلف لم يلجأ هنا إلى حوادث حياته الخاصة، بل انصرف إلى الأخبار القديمة، فالتمس وحيه بين صفحاتها. . والذي يدهش له القارئ أن يرجع إلى تلك الكتب القديمة ثم يعود إلى (هامش السيرة) فيرى امامه شيئا مبتدعا مخترعا، وجدة جذابة، وطراقة معجبة. ومع هذا كله لا يرى خروجا عن الأصول التي استوحاها المؤلف واستلهمها.
اعتمد طه حسين على الكتب القديمة كما اعتمد شكسبير على قصص فلوطرخوس وأمثاله،