بشرف الوسيلة ويرعى جانب الفضيلة فيؤدي بذلك إلى فوات الفرص وضياع الغاية؟ كلا إنما كان هو أقوى من أن يتطرق إليه مثل هذا الضعف وأذكى من أن تنطلي عليه مثل هذه البلاهة
ولكن لنكولن لا يعرف المراوغة؛ ولا يدري ما الالتواء. فهل له طاقة بمناضلة ذلك القزم الماكر المخاتل؟ وماذا يجدي على ابراهام طوله والمسألة اليوم مسألة مدافعة ومقارعة، وليست هي مسألة مكافحة ومصارعة، كما كان الحال يوم لف ذراعه الطويلة حول أرمسترنج وألقي به على الأرض؟. . . إن الفرق بين الرجلين هو الفرق بي الطبيعتين، فهذا ماكر محتال غامض كالبحر، وذلك بسيط ساذج صريح كوجه السهل. . .
خطا دوجلاس خطوته وحمل المجلس على الأخذ برأيه فترك لهل كنساس أن يختاروا ما تكون عليه ولا يتهم إذا ضمت إلى الاتحاد؛ وجرى الانتخاب التمثيلي فيها على أساس التسليم بمبدأ العبيد أو رفضه؛ ولو أنه تركت الولاية وشأنها حقاً لهان خطب ذلك الانتخاب ولمر دون أن يعقب ضرراً، ولكن كثيرين من أنصار التحرير ومن المنادين بمقاومة انتشار العبيد من أهل الشمال هاجروا إلى تلك الولاية ليشتركوا في الانتخاب، كما هاجر إليها كذلك عدد عظيم من أهل الجنوب وفي أيديهم أسلحتهم. والتقى الفريقان هناك وبينهما من البغضاء والشحناء ما أوقد نار الحرب وذلك أن أهل الجنوب قد حالوا بقوة السلاح بين خصومهم وبين ما يخوله لهم القانون من التصويت ففاز بالغلبة رجل من أنصار اعتناق العبيد؛ ولكن أهل الولاية ومناصريهم من أهل الشمال احتشدوا في مكان آخر واختاروا رجلاً من دعاة التحرير، فقامت لذلك الحرب بين الحزبين ولبثت نارها مشبوبة بينهما زهاء عامين. وفطن الناس إلى أن هذه الحرب إنما هي مقدمة الحرب الأهلية الكبرى
انتهت في تلك الأثناء مدة مجلس الشيوخ، وانصرف الأعضاء إلى البلاد يدعون لأنفسهم من جديد؛ وكان دوجلاس نائباً عن شيكاغو في شمال الينوس، فذهب إلى هناك يدعو لنفسه، ولكن هاله ما رآه من انصراف الناس عنه، فهو أينما تولى يجد من الناس نفوراً وإعراضاً بل إنهم كانوا يجبهونه بالسوء من القول ويظهرون له ما باتوا يضمرونه من حقد ومقت.
وإنه ليجزع ويستولي عليه الحنق إذ يرى الرايات في شيكاغو منكسة في هامات السفن،