وكذلك انتابت الإسلام أخطار جمة تعرض لها فكان ذلك الصراع العنيف بين الشرق والغرب، يدفع كلا الجانبين حماسة دينية وتعصب ملح، وهذا هو المعروف بالحروب الصليبية، فلقد امتشق فيها الغرب الحسام ضد الشرق والإسلام واتحدت شعوبه المتنافرة تحت الصليب تدفعها من الخلف حيناً روح دينية، وأحياناً كثيرة تحثها المطامع السياسية، ولكنها في كل ذلك تلبس مسوح الدين. ويرى بعض الكتاب أن هجوم التتر وتدميرهم الخلافة العباسية في بغداد إنما هو ضرورة اقتضتها حياة القوم فلقد انغمروا في بلهنية من العيش واغرقوا في اللذات ورفاهية المادة، فكان تجديد الإسلام بتدمير هذه الحضارة وإقامة أخرى مكانها وزعيم هذا الرأي الكاتب الفرنسي ومهما يكن من صواب رأيه أو خطله فإن الحقيقة الواضحة هي أن الإسلام لم يفن بعد هذا الهجوم بل تجدد وعاد قوياً
أما دراسته عن (الإسلام في الغرب) فيعرض فيها لآراء الكتاب الأوربيين أمثال رينان وولسون كاش وأرنولد وكريمر ويظهر في تضاعيف هذا الفصل ما انطوت عليه نفس الكاتب من حماسة بالغة للإسلام خرجت به أحياناً من موقف العرض إلى الدفاع، فأكرم بهذه الروح التي أملت عليه ما أملت من نقاش ودفاع كريمين، وبهذا الفصل يختم المؤلف الفاضل القسم الأول من كتابه وقد خصصه للتعريف بالإسلام ثم، يليه القسم الثاني والأخير منه وهو دراسة تحليلية للنواحي الفكرية في الإسلام ومستقبله في العالم كدين وكنظام اجتماعي وسياسي، وهو ينظر بعين الرضا والاطمئنان للحركة التجديدية في الأدبين الفارسي والتركي وما يترتب عليهما من إحياء للماضي الحافل بصور المجد والعظمة
ويختم المؤلف كتابه بدراسة قيمة عن (الإسلام في العالم) فيرى أنه لا يستطاع الفصل بين السياسة والدين فيه بل إنهما ليتعاونان معاً في ميادين الاستقلال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي (ص٣٩٧) ويضرب المثل على صحة هذا بالملك العظيم ابن سعود فلقد نجح في إقامة دعائم مملكته على أسس مستمدة من القران والسنة، حتى لقد أصبحت الحجاز اليوم حكومة رشيدة قوية محترمة، وفي ذلك أبلغ دليل على تعاون السياسة والدين وعدم تضاربهما، على عكس الواقع في الغرب حيث لا يستطاع - بحال من الأحوال - التوفيق بين الدولة والكنيسة.
ويتساءل المؤلف في ختام بحثه هذا: هل يمكن إيجاد التعاون والتوفيق بين الإسلام