للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المادة والضرورات العملية بالموضع الذي يضعونها فيه. وينفعنا نحن الشرقيين أن نذكر ذلك لأننا محتاجون إلى بقية باقية في الغرب من زاد الروح والذهن والخيال، فإذا اعتقدنا في الغرب النضوب والإقفار فلا ربح في ذلك لنا بل فيه الخسارة والفوات لا جدال

لنا أن نعرف قيمتنا، ولكن ليس لنا أن نجهل قيمة غيرنا. ومن الحسن أن نحيط بما يكتبه الأجانب عنا لأنهم يرون ما يخفى علينا أحياناً من أحوالنا وخطواتنا لفرط الألفة وتكرار النظر بغير انقطاع، كما يعرف المسافر العائد إلى أبنائه كم طالوا وكم كبروا وهو لا يلتفتون إلى ذلك. ولكن المرجع إلينا آخر الأمر في الشعور بحقيقتنا، والنفاذ إلى سريرتنا، والمقابلة بين أمسنا وغدنا. ولا ضير في قليل من الثقة - بل قليل من الغرور - يزيد على المقدار، فإن المبالغة في الثقة خير من المبالغة في فقدها على كل حال

وصاحب كتاب (البحث عن غد) رجل يشعر بالإسلام والشرق الأدنى شعور المودة والترفق، ولا يتعصب عليهما أو يتعصب لأعدائهما. فهو من ثم غير متهم في مقاصده ونياته، وغير بعيد عن أسباب الفهم الصحيح والحكم العادل، ولكنه ينشد الحقيقة على طريقته العاجلة التي يتسع لها وقته في رحلاته الكثيرة، فهو أقرب إلى الأنباء الصحفية منه إلى المباحث العقلية والدروس العلمية أو الفلسفية. وهكذا ينبغي أن نتلقى آراءه وأحكامه، وننظر إلى أغراضه ومناحيه

قصد البحث عن حياتنا الروحية فماذا صنع؟ ذهب إلى السفارة المصرية في العاصمة الإنجليزية وتسلم منها كتب التوصية المعهودة وأسماء الأفراد المعهودين!! ولو قيل للمستر (روم لاندو) إن مصرياً أراد البحث في حياة إنجلترا الروحية فذهب إلى السفارة البريطانية ليسألها عن وجهات الفكر والروح في بلادها لابتسم وأدرك نتيجة البحث لأول وهلة، ولكنه رجل صحفي أو شبيه بالصحفيين، فهذه أقرب الوسائل إلى إنجاز عمله وجمع المادة اللازمة لتأليفه. وكذلك كان في كتبه السابقة حيثما تناول الأقطاب الروحيين المقيمين في باريس أو لندن أو نيويورك: سبيله إليهم كسبيل الصحفيين إلى المحادثات وجمع المعلومات

لو ذهب مصري إلى السفارة البريطانية يسألها عن رجال الفكر والروح والخيال من الإنجليز لما ذكرت له اسم لورنس أو اسم موجهام، ولعلها لا تذكر له حتى اسم برناردشو ومن إليه من الأدباء الذين لا يلتزمون التقاليد ولا يدخلون في السجلات الرسمية. وهي لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>