تهمل ذكرهم لأنها تجهلهم أو تستخف بأثرهم بين قرائهم، ولكنها تهملهم لأن وظيفتها توجب عليها أن تلتزم التقاليد ولا تعترف بما وراءها من وجهات الأفكار ومذاهب الضمائر
ومن المعقول أن تسأل السفارة أو وزارة الخارجية في إنجاز عمل أو الإرشاد إلى من ينجزه ويتولى تسهيله. أما الإرشاد إلى نزعات الفكر والروح، فالسفارات والوزارات لا تتولاه وإن عرفت طريقه، لأنها لا تدل على شيء إلا كان داخلاً في حدود المرسومات المحدودة، حتى لو ظهر عليه لون من الشذوذ
ولهذا لا عجب أن يتحدث الكاتب عن (قدم المادة) وما قيل عنها في الجامع الأزهر كأنه فتح جديد في تفكير المسلمين، مع أن المسلمين يعرفون مذاهب القائلين بالقدم والحدوث منذ مئات السنين. ومع أن المفكرين المعاصرين لا يحفلون بقدم المادة وحدوثها ولا يشغلهم من صفاتها شيء أهم من هذه الصفة التي تجلى عنها البحث في الإشعاع والتقريب بين المادة والقوة بهذه المثابة حتى أصبحت وكأنها معنى من المعاني وعدد من أعداد الرياضة والحساب
فلو أن (الباحث عن غد) وصل إلى الجامع الأزهر ووجد فيه البحث قائماً على اختلاف هذه الفروض في كنه المادة لجاز له هذا الدهش الذي أفرط فيه حين علم بما قيل عن قدم المادة من قول صحيح أو غير صحيح. أما الدهش لأمر تكلم فيه المسلمون قبل ألف سنة فماذا فيه من البحث عن غد؟ وماذا فيه من النزوع إلى الجديد؟
كذلك يغلو الكتاب الأوربيون على هذه الشاكلة في قياس الحركات الذهنية بما تثيره من الضجيج بين رجال الدين أو بين طلاب المعاهد الدينية. ومن ذلك مثلاً اعتقادهم أن الأستاذ علي عبد الرازق قد غير في قواعد الدين يوم قال إن الخلافة ليست من مراسم الإسلام. وما اعتقدوا هذا الاعتقاد إلا لأنهم حسبوا أن الضجة التي أثيرت حول كتابه كان مبعثها التعصب والغيرة على الدين. ولم يعرفوا الحقيقة التي يعرفها معظم المصريين، وهي أن السياسة لعبت لعبتها في هذه المعمعة من مبدئها إلى منتهاها. فلو أن الأستاذ علي عبد الرازق أعلن رأيه قبل بضع مئات من السنين يوم كان الأمراء المصريون يسعون في إضعاف الخلافة لقوبل كتابه بالترحيب والمكافأة الجزيلة. ولو أن المسألة مسألة قديم وجديد وتغيير في الأصول الدينية لكان الأولى أن يثير من الغضب يوم ذاك أضعاف ما أثاره في