عصرنا هذا، ولكنها مسألة لها موقعها من السياسة ومن مآرب العيش عند بعض الناس فكان من جرائها ما كان
لهذا نقول إن حكم الأوربيين ولاسيما المستشرقين على شؤون مصر وشؤون الشرق العربي كافة أضعف الأحكام وأبعدها عن حساب العوامل الصحيحة والبواعث الخفية، بل ربما كانت أبعدها عن البواعث الظاهرة في كثير من الأحيان. وما كتبهم في هذه الأغراض إلا طائفة من (الكتالوجات) على طراز آخر غير الطراز التجاري أو الطراز السياسي، ولكنه مثله في الجوهر وطريقة التحضير
ونخص المستشرقين بالخطأ مع أنهم أحرى أن يقتربوا من الصواب ويرجحوا إخوانهم الأوربيين الآخرين بمعرفة اللغة والاطلاع على التاريخ، إذ الواقع أن (الاستشراق) قد نشأ قديماً في بيئة التبشير ولا تزال فيه جذوره ومراميه؛ وكل ما يعني المبشرين هو مراسم الدين وتقاليد المساجد والكنائس والعبادات. فإذا نشبت مشاجرة في مسجد أو كنيسة فذلك أدنى إلى ملاحظتهم من اختلاف مقاييس الفكر ودعائم الضمير، لأنهم هم أنفسهم يعيشون في هذه البيئة وما يحاذيها من طبقات الأدب وطبقات التفكير، فهم معرضون لأخطاء أعظم من التي يتعرض لها الأوربيون الجاهلون بلغات الشرق وتواريخه الأدبية، لأنهم ينظرون مغرضين وفي أعينهم قصر وعلى أعينهم غشاوة لا تميز الحقائق ولا تنفذ إلى ما وراء القشور
وعلى هذا يصح أن نحيط بما يكتبه الأوربيون عنا لنعرف منهم ملاحظاتهم التي تخفيها الألفة والنظر المتكرر إلى المتواتر من أحوالنا، ولا يصح أن نقوم آراءهم وأحكامهم بأكبر من هذه القيمة أو نسومها بغير هذا السوام