للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التفكير المستقل

(أرثر شوبنهور) فيلسوف ألماني ولد بمدينة دنتزج سنة ١٧٨٨، وتوفي سنة ١٨٦٠. ولقد كتب مؤلفات أشهرها وأعمقها كتابه (العالم إرادة وفكر) ولقد نال هذا الفيلسوف شهرته في مصر خاصة والشرق عامة بنظريته في القوة ونظريته في المرأة، إذ نزع إلى أفكار وتأملات ألبسته في الأذهان ثوباً من التطرف كانت له جدته وطرافته في عصر كنا فيه مقيدين بقيود تخلصنا من أكثرها في عصرنا هذا. غير أن لهذا الفيلسوف الفذ تأملات في الحياة والفكر قلما عرفنا منها شيئاً. ومن أطرف ما خص بتأملات هذا الفيلسوف من نواحي الحياة ناحية الفكر المستقل، أو التفكير المستقل الذي يكون خالصاً لك من التأثر بأفكار الغير ونظرياتهم. ونقتطف هنا لقراء الرسالة فقرات من مقاله في هذا الموضوع وهو من أمتع ما كتب شوبنهور قال:

(كما أن أغنى خزائن الكتب وأحفلها بالمؤلفات لا تكون مفيدة - إذا لم ترتب - فائدة أخرى قليلة العدد حسنة الترتيب. كذلك الحال في ما تحصل بالدرس من المعلومات، فإنها مهما غزرت وكثرت لا تفيدك إن أنت لم تصقلها بفكرك الخاص فائدة معلومات قليلة تعهدتها بالصقل والتأمل الطويل فيها. لأنك بالتأليف بين معلوماتك، ومقارنة كل الحقائق التي تقع لك مقارنة تفكير وعمق، إنما تستطيع أن تهضم المعارف التي تحصل عليها فتصبح ملكاً لك وطوع قوتك. فإن الإنسان ينبغي له أن يدرس. ولكن ما يدرسه لا يصبح ملكاً خالصاً له إلا إذا فكر فيه وأطال التأمل له)

(إن الفرق بين الأثر الذي يحدثه التفكير الذاتي، والأثر الذي تحدثه القراءة في الفكر، كبير جهد الكبر. ذلك بأن التفكير الذاتي وحده هو الذي له القدرة على أن يمد آفاق الفكر في نواح مختلفة تزيد في قوة الابتكار في الذهن حتى يتسنى له أن يختار حراً طليقاً أي طريق يسلك، وينظر في أي جهة يختار)

(إن القراءة تفرض على الذهن أفكاراً، هي بذاتها غريبة متنافرة بعيدة عن المتجه والمنحى الأصيل لفكر القارئ؛ فيكون مثلها كمثل الخاتم أن يطبع الشمع بنقوشه الخاصة. وإن لذلك على العقل من الأثر ما يعادل أثر الأشياء الخارجية على الأجسام، فيظل العقل مضطراً إلى التفكير في هذا ساعة وفي ذاك أخرى، من غير أن يكون له رغبة في الإكباب على

<<  <  ج:
ص:  >  >>