للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدولة) الذي استولى على بغداد وغدر بسلطانها عز الدولة أشنع غدر، كما التحق بعده بخدمة صمصام الدولة وشرفها حتى عام ٣٧٩هـ، وهو العام الذي دخل فيه في خدمة (بهاء الدولة) واختص به وعظم قدره عنده. وهكذا انتقل ابن مسكويه من خدمة وزير إلى سلطان حتى هرم وشعر بدنو الموت، فانتقل كما يقول صاحب (روضات الجنان) إلى (أصبهان) حيث مات عام ٤٢١هـ، وحيث دفن في (محلة حاضو) بقبر مشهور معروف. . .

٣ - ثقافته وأخلاقياته

وقد تثقف ثقافة أدبية واسعة، ونهل من مجالس العلم ومكتباته، وعني عناية خاصة بالأخلاق فدرس حكمها عند الفرس والعرب والهنود والروم، وجمع ما راقه من هذه الحكم وأخرجه في كتاب لا يزال مخطوطاً. هذا إلى أنه قرأ ما قد خلفه أرسطو وأفلاطون وجالينوس في هذه الناحية ومحصه تمحيصاً. وكأنما دفعته تربيته العائلية السليمة، وقلبه الكبير الحي، وتجربته الأليمة في مجالس السلاطين والوزراء، إلى إنقاذ عصره والعصور التي تليه من السياسة الخرقاء والأخلاق المعتلة، فراح يقرأ في الأخلاق ويؤلف، ويخرج للناس كتباً فيها من المنطق الصحيح ما يهديهم إلى (كمالهم الإنساني)، ويأخذ بيدهم إلى طريق الفضائل والعلوم لتتم لهم السعادة التي ينشدونها عبثاً في تلك الخيرات الوهمية الخارجية، خيرات (الكون والفساد). وقد تجلت هذه النزعة فيما ترك من عهد عاهد فيه نفسه (أن يجاهدها ويتفقد أمرها ما استطاع، فيعف وتشجع ويحكم، ويقتصد في مآرب بدنه حتى لا يحمله السرف على ما يضر جسمه أو يهتك مروءته، ويحارب دواعي نفسه الذميمة حتى لا تقهره شهوة قبيحة ولا غضب في غير موضعه، ويستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف الصالحة، ليصلح أولاً نفسه ويهذبها ويحصل له من هذه المجاهدة ثمرتها التي هي العدالة. . . الخ). . أقول تجلت هذه النزعة في ذلك العهد الطريف، وتجلت كذلك في كتابه التاريخي المعروف (تجارب الأمم وعواقب الهمم) وهو الكتاب الذي فضح فيه بجرأة وصراحة الكثير من رذائل السلاطين الذين خدم أولادهم وأحفادهم كما تجلت على الخصوص في كتابه العظيم الذي نحدثك عنه الآن:

٤ - كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق

<<  <  ج:
ص:  >  >>