هذا كل وفاء العربية للراحلين من أدبائها: يتهاوون من الذروة إلى بطن الوادي فرداً فرداً، وإخوانهم على الطريق ينظرون إليهم في بلادة وصمت؛ لا تشيعهم منهم قدم، ولا تتبعهم عين باكية، ولا يذكرهم منهم إنسان!
يرحمه الله! يرحمه الله!
هذا كل تراث الأديب في العربية لبنيه وأهله، هو حسبهم من الطعام والشراب والثياب وتكاليف الحياة، وفيه العوض كل العوض من عائلهم الذي طواه الموت بين الصفائح والتراب
يرحمه الله! يرحمه الله!
هذا هو الخلود الذي ضمنته العربية لمن يموت من أدبائها وهو في ميدان الجهاد يكافح الفقر والمرض وشئون العيال، ويبذل نفسه لينشئ أدباً يسمو بضمير الأمة، ويشرع لها طريقاً تسير فيه إلى عظمة الخلد وسعادة الأبدية ومجد التاريخ!
يرحمه الله! يرحمه الله!
هذا كل ما تستطيع العربية من كلمات العزاء، وكل ما يملكه أدباء العربية من أساليب المواساة، وكل ما يقدر عليه ناطق يبين، وصديق يتحبب، وحبيب يشعر أن عليه حقاً لمن يموت من أهل البيان!
يرحمه الله! يرحمه الله!
صوت ما له صدى! وتراث ليس فيه غناء، وطعام لا يهنأ ولا يمرأ، وخلود لا يدوم إلى غد، وعزاء لا يجفف دمعة ولا يخفف لوعة ولا ينفذ إلى قلب طفل سلبه الموت أباه وسعادة دنياه!
يرحمه الله! يرحمه الله!
. . . خلوا عنكم أيها الأدباء الكبار، وأيها الشعراء العظام، وأيها الخطباء المصاقع؛ خلوا عنكم عناءها، سيرحمه الله وإن لم تقولوها؛ سيرحمه بما جاهد، وبما بذل، وبما عانى، وبما تحمل من جهد التضحية ومشقة الحرمان؛ وسيرحمه ثانية بما لقي من العقوق وكان براً، وبما لقي من الغدر وكان وفياً، وبما قوبل من إنكار الجميل وكان من أهل الجميل؛