والله، إنني لا أدري أية نسمة مشئومة تهب على هذا الشرق العربي مقحمة الحزبية ميدان الأدب نفسه، وما الأدب الرفيع إلا النسب الشريف والرابطة المكينة بين النفوس الحساسة الحائرة في هذه الحياة تتلمس حقيقة القلب وتتطلع إلى أنوار الفكر
أفلا يكفي الأدباء ما يعانونه من مجتمع لما يزل في بدء تكوينه وتكاد كتلته الكبرى تتبرأ من بيانهم، حتى ليقوم التحاسد بينهم فيتناكرون، وعهدنا بالأدب دولة يتساند جنودها على المرتقى ولا يستغني حامل أكبر مشعل بينهم عن أنوار اصغر المشاعل المتألقة حوله في اعتكار الظلمات
إن دولة الأدب ديمقراطية في روحها، بل اشتراكية، بل إباحية بأعمق معاني الكلمة، لأن لا حطام فيها لمالك ولا تخوم لحد شخصية تجاه شخصية أخرى، وما الفكر إلا نسمة لا نعرف لها مهباً ولا ندرك لها مستقراً
وعندي أن كل أديب ينشئ لنفسه بلاطاً لينظر إلى من حوله نظرة الأمير إلى أتباع يسيرون في ركابه، إنما هو مدع دخيل يسد على نفسه كوى الإلهام ويقيم بغروره عقبة في سبيل اعتلائه
الأدب رسالة لخير الأمة وخير المجتمع الإنساني، والأدباء متضامنون في تأدية هذه الرسالة وإن اختلفت مراتبهم، وأرقى الأدباء مرتبة من يرسل نظراته مفتشاً عن أديب يحاول الصعود ليمد إليه يده ويسدد خطاه ويصحح أخطاءه، لا من يزدري أترابه المساوين له ويحتقر المتحفزين للحاق به
إن أقطاب الأدب قادة فيالق في عالم التفكير، وشر القواد من احتقر الجنود لأن عظمته تقوم على شجاعتهم، وخلوده يبنى على كواهلهم
فإذا كان الرافعي لم يسلم في حياته الأدبية من ثورات غضب حولت عبقريته إلى النضال العنيف؛ فما كان ذلك إلا لأنه وهو يتسلق المرتقيات ويمد بساعديه إلى ما فوق لم تعثر يداه إلا على أرجل ترفس استكباراً وحسداً، فاضطر إلى تصفيح قبضتيه فولاذاً