للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حسابهما، ولا يقيمان لأمثاله وزناً، ولا يعبآن بقوله ونقده وثورته - فقد تركاه يقول فيكثر فيمل فيسكت. ولم يكن بين أحد منهما وبين مثله كالذي كان بين الرافعي والعقاد

فالرافعي والعقاد أديبان قد أحكما أصول صناعتيهما، كل في ناحيته وغرضه، وأفنيا الليالي والأيام والسنين في ممارسة ما هو في وإليه، وكلاهما يعلم عن عمل صاحبه مثل ما يعلم عنه، ولا يظن بأحدهما أنه يجهل قيمة الآخر. فلما كانت العداوة بأسبابها بينهما بدأت قوة تعارض قوة، ورأي يصارع رأياً، وكان في كليهما طبيعة من العنف والعرام والحدة، وولع العقاد بإرسال العبارة حين يغضب على هينتها صريحة لا صنعة فيها، وأغري الرافعي بالسخرية والمبالغة في تصوير ما نصبه لسخره وتهكمه على طريقة من الفن؛ فمن ثم ظهرت العداوة بينهما في النقد وفي أذيالها أذى كثير وغبار ملؤه القواذع والقوارص من اللفظ، وعلى جنباته صور ينشئها أحدهما لصاحبه للكيد والغيظ والحفيظة، لا يراد بها إلا ذلك. ولقد شهدت أن الذي كان يكتبه الرافعي عن العقاد لم يكن عندي مما يحملني على الحط من منزلة العقاد التي كان ينزلها في نفسي، بل أستيقن أن الذي يكتبه إنما يراد به النيل من غيظ العقاد لا من العقاد نفسه. وعلى مثل ذلك كنت أجد ما يكتبه العقاد عن الرافعي، فلم يكن نيل العقاد من الرافعي - وأنا أحبه - مما يحملني العداوة له أو يدفع بي إلى الغيظ والحنق والثورة

وخليق بنا وبآدابنا أن نطوي الآن سيئة رجلين قد تفارط أحدهما في غيب الله، وبقي الآخر تحوطه الدعوة الصالحة بطول البقاء وامتداد الأجل وسداد العمل

والكلمة الأولى من كلمتي الأستاذ سيد قطب، إنما تدور رحاها ورحى (بغضائه) للرافعي - أو كما قال - عن نفي الإنسانية عن ذلك الإنسان رحمة الله عليه، وخلوه من النفس، وفقدانه الطبع، وفقره إلى الأدب النفسي - وما إلى ذلك من لفظ قد ضل عنه معناه، وتهافت عليه حده - وأنه كان (رحمة الله عليه) ذكياً قوي الذهن، ولكنه كان مغلقاً من ناحية الطبع والأريحية، وأن أدبه كان أدب الذهن لا أدب الطبع، فيه اللمحات الذهنية الخاطفة، واللفتات العقلية القوية، ولكن الذي ينقصها أنه ليس وراءها ذخيرة نفسية، ولا طبيعة حية، إلى غير ذلك مما حفظه الأستاذ من شوارد اللفظ، وأوابد المعاني. . . وأسمع جعجعة ولا أرى طحناً

<<  <  ج:
ص:  >  >>