للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وموعوداً). هذا الإطلاق من (فيلسوف يتغزل) يقتضي شمول الأفراد من (كل شيء)، ومن (كل موجود). وليس يشك أحد - ممن لم يسلبهم الله (الطبع) و (العقيدة) ولم يحرمهم (الخيال البارع) - في أن ما ذكره الرافعي في كلامه - من البق إلى الملح الإنكليزي - شيء من الأشياء وموجود من الموجودات. والفيلسوف حين يتغزل أن يريد هذا بغير شك، ولكن أين تذهب بمعنى اللفظ (كلٍ) في العربية؟ وفي حدود الألفاظ التي تدور على ألسنة الفلاسفة؟ وأي دلالة توجب معنى الشمول من هذا اللفظ؟ أو أي مسوغ يجيز الحد من الإحاطة التي يقتضيها هذا الحرف في مجرى قول الشاعر (فيك من كل شيء) وفيك (من كل موجود)؟!

هذا بعض القول في فساد ألفاظ هذا البيت، وبطلان معنى الفلسفة فيه. ولا يفوتني في هذا الموضع أن أدل على موضع الضعف في فهم الأستاذ قطب لكلام الرافعي. فالرافعي يقول: (قلنا، فان من - كل موجود - البق. . . الخ)، والأستاذ الأديب البارع يقول وكأنه يشرح معنى الرافعي: (فأي طبع سليم يتجه إلى تفسير بيت غزلي. . . بأن (كل موجود) هو البق والقمل. . . الخ)؟ غافلاً عما في هذا الإحساس من (حياة) و (خيال بارع)، تثيره طبيعة فنية، فيرى في هذا المرأة من متنوع الصفات وشتى المزايا عالماً كاملاً من كل موجود وموعود). والرافعي رحمه الله لم يقل إن (كل موجود) هو البق والقمل. . . الخ، وإنما قال إن من (كل موجود)، أي من أفراد الموجودات ما يسمى بقاً. . . الخ، فالحرف (من) في كلام الرافعي ليس هو الحرف (من) الذي في شعر العقاد حتى يجوز ما ذهب إليه الأستاذ قطب بما ساء من تعليقه.

وقد أطلت القول في تقرير نقد توحي بصحته سلامة الفطرة، وحسن الذوق، وصفاء القريحة، ويوجبه اصطلاح المنطق، وحد الكلام، وإتقان الفلسفة، ويقتضيه ما ذهب الشاعر يسرده مما هو (في صاحبته) معدداً مبيناً مفصلاً حتى انتهى إلى إجمال المعاني في هذا البيت. فقد قال لها: فيك من الشمس والبدر، ومن الربيع والشتاء، ومن غناء الطير ونوح الحمام، ومن انسياب الماء، ومن طبائع الوحش، ومن حركة الأسماك، وفيك من جوارح الطير، ومن النعام، ومن نار الحياتين، ومن الموت الزؤام، ومن نقص الدنيا، وكمال الآخرة، ومن الملائكة، ومن الشياطين، ومن الخمر، ومن القوت، ومن الماء، ومن الجوع،

<<  <  ج:
ص:  >  >>