للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال قولته المشهورة: (أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت) فكانت كنايته أبلغ من التصريح.

ويظهر أنه بعد أن قتل علي رأى من المصلحة للمسلمين أن يشايع الأمويين، فان هذا أقرب إلى الوحدة وأدعى إلى الألفة حتى مع ما هم فيه من ظلم أحيانا وطغيان أحيانا، يدل على ذلك تاريخه وقوله فقد استنصر به الحسن بن علي علىمعاوية فلم يجبه وقال (قد بلونا حسنا وآل حسن فلم نجد عندهم ايالة الملك ولا مكيدة الحرب) وكان بينه وبين عبد الله بن الزبير جفاء. فلم يشايعه في الخروج. ورأيناه ينصح قوما من تميم أرادوا أن ينضموا إلى ابن الزبير إلا يفعلوا.

ولكنه كان يطيع الأمويين وولاتهم طاعة الحازم العاقل، ينقدهم فيما يرى ويمحضهم النصح في صدق وإخلاص، وله كموقف مع زياد من خير المواقف أثراً في تاريخ الإسلام، فقد هم زياد أن يقتل الموالي لكثرتهم ومزاحمتهم العرب فاستشار الأحنف فقال، إن ذلك ليس لك، إن رسول الله (لم يقتل من الناس من قال لا إله إلا الله وشهد أن محمدا رسول الله وانهم غلة الناس، وهم الذين يقيمون أسواق المسلمين، أفتجعل العرب يقيمون أسواقهم قصابين وقصارين وحجامين؟ فأذعن زياد لرأيه ونزل على إشارته، ويقول الأحنف انه ما بات ليلة أطول منها خشية أن ينفذ زياد فكرته.

ووقف في البصرة موقفا بديعا يصلح بين القبائل المختلفة المتعادية من الازد وبكر وعبد القيس، ويبذل من ماله ديات لما يقع من القتل حتى يلتئم صدعهم ويجتمع شملهم ويعيشوا في البصرة عيشة هادئة مطمئنة.

لقد عابوا عليه انه ذُكر أمامه الزبير بن العوام عندما ترك القتال يوم الجمل ومر ببني تميم فعابه الأحنف وقال جمع الزبيريين الناس يقتل بعضهم بعضا ويريد أن ينجو إلى أهله! فتبعه رجل سمع هذا القول فقتله، فقال الناس إن الأحنف قتل الزيبر بكلامه.

كما عابوه بأنه كان سميعا مطيعا لجاريته (زبراء) حتى كان الناس يكنون عن وقوع الحرب بقولهم (غضبت زبراء) لأنها إذا غضبت غضب الأحنف، وإذا غضب الأحنف شرعت الأسنة وانتضيت السيوف.

ولكن أي عظيم لا يعاب؟ وكفى الأحنف نبلا أن كانت عيوبه من هذا القبيل لا تخدش شرفا

<<  <  ج:
ص:  >  >>