عضواً في مجلس المقاطعة ولكنه ما لبث أن استقال منه واخذ يدعو لنفسه ليختار عضواً في مجلس الشيوخ للولايات. . . وكان منافسه في هذا شيلدز، ذلك الرجل الذي تحداه من قبل إلى مبارزة بالسيف لما كتبه لنكولن عنه في إحدى الصحف وعده هو إهانة له.
وكان الذين ينتخبون عضو مجلس الشيوخ هم أعضاء مجلس المقاطعة، وكان المجلس يومئذ يجمع أنماطا من الرجال فرقت بينهم الأهواء وباعدت الآراء، ففيهم بقايا حزب الهوجز الذين يمقتون التطرف، وفيهم الديمقراطيون أنصار مبدأ العبيد، وفيهم المعارضون لقرار نبراسكا، وفيهم غير هؤلاء وهؤلاء ممن تتذبذب سياستهم حسب ما يقوم في رؤوسهم من الآراء في مسألة العبيد.
وكان يظفر أبراهام بما يتوق إليه وبما باتت زوجته تمنى النفس به لولا أن دعا الديمقراطيون في اللحظة الأخيرة إلى رجل غير لنكولن ومنافسته؛ وعندئذ أشار لنكولن على نصرائه أن يمنحوا هذا الرجل الجديد أصواتهم ليفوت الأمر على منافسه الأول إذ كان هذا من أصحاب دوجلاس بينما الآخر ممن يعارضون قرار نبراسكا؛ وهكذا يذوق لنكولن مرارة الفشل من جديد!
ولكن الفشل هذه المرة لم يبلغ من نفسه ما كان يبلغه في الأيام السالفة، فهو اليوم مطمئن إلى نصيبه من رضاء الناس وإلى حظه من الصيت والنفوذ. لقد قابل الأمر بدون اكتراث لولا ما أظهرته زوجته من غضب وحنق، على أنها ما لبثت أن رضيت وسكنت ثورتها، ذلك أنها كانت تكاد ترى رأى العين ما ينتظر زوجها من مستقبل عظيم. . .
ولم يصرفه الفشل عن السياسة كما كان عسَّيا أن يفعل في ظروف غير هذه؛ فلقد عرف أن فشله يومئذ إنما يرجع إلى أسباب لا يستخذي لها، ومن أهم تلك الأسباب ما فعله دعاة التحرير، فلقد حشروا اسم لنكولن على غير علم منه في معضديهم وراحوا يباهون به الأحزاب؛ ولقد أدى هذا إلى انزعاج كثير من الديمقراطيين إذ حسبوه قد مال إلى الطفرة في مشكلة العبيد، كذلك أنكر الهوجز عليه أن ينحرف عن سياسته القائمة على الحذر، ولقد كانوا يحبون منه اكتفاءه بمقاومة انتشار العبيد، أما أن يميل إلى التحرير فجأة فيعمل مع المتطرفين على القضاء على الاتحاد فذلك ما لا يقبلونه منه؛ وهكذا اخذ على الرجال ما لم يجنه فأصابه من الخذلان ما أصابه. . .