وقد نفهم وان كنا لا نستسيغ ما نفهم، أن يلقي كل وزير للمستعمرات كلما وقع اضطراب في فلسطين، نفس الكلمات القديمة، أقول لسنا نسيغ هذا، لأن الحقيقة الواضحة هي أن السياسة البريطانية في فلسطين قد أظهرت أنها تتأثر بعوامل الخوف والتحيز، فكل إنسان يذكر كيف أن الاضطرابات التي وقعت في ايرلنده بعد الحرب قد انتهت بعقد المعاهدة الإنكليزية الأيرلندية، وكيف أن ثورة العرب في الجزيرة (العراق) قد أحدثت تغييرا جوهريا في السياسة البريطانية في العراق، وكيف أن الاضطرابات التي وقعت بمصر بعد الحرب قد انتهت بإعلان استقلالها سنة ١٩٢٢ (تصريح فبراير) وهكذا. الواقع أن السياسة البريطانية تقلبت في فلسطين تقلبا ظاهرا ومن الصعب أن نقول إن الإدارة العسكرية التي قامت في فلسطين منذ الهدنة إلى سنة ١٩٢٠ رحبت بالصهيونيين الذين سمح لهم بدخول فلسطين تطبيقا لعهد بلفور، فقد كان عطفها على العرب ظاهرا، ولكن حكومة لندن لم تكن تعنى كثيرا بشأن العرب، وكانت بالعكس تعنى ليل نهار بأماني الصهيونيين ومقاصدهم. وكان مستر لويد جورج وقت رآسته للوزارة قبل الحرب، قد عقد الصداقة مع الدكتور ويزمان الزعيم الصهيوني، فادى ويزمان للحلفاء خدمة جليلة باختراع المفرقعات القوية، وكانت هذه الصداقة نواة تصريح بلفور واصله، حسبما يصرح مستر لويد جورج في مذكراته.
ويمضي الكاتب بعد ذلك في الحديث عن الإدارة الإنكليزية في فلسطين، فيقول أن عهد السير هربرت صمويل أول مندوب سام كان حسنا، وانه ترك فلسطين سنة ١٩٢٥ في حالة يسر وان لم ينجح في إقناع العرب بقبول الانتداب. ولم يعن خلفه اللورد بلومر بالمشكلة السياسية، ولكنه عني بالعمل على توطيد أركان الأمن والسلامة. وسادت السكينة في عهده حتى أنه نصح بتخفيض عدد القوات المحتلة. بيد أن هذه السكينة ترجع إلى اغتباط العرب بما آلت إليه الصهيونية من الاضطراب، وما عانته من أزمات جعلت اليهود يغادرون فلسطين بكثرة. وفي عهد خلفه السير جون تشانسلور وقعت اضطرابات سنة ١٩٢٩، فاقتضت تعزيز القوات المحتلة وإرسال لجنة برلمانية للتحقيق (لجنة شو)، ولجنة لبحث مسألة الأراضي والهجرة. وألقت تقارير اللجنتين ضوءا جديدا على قضية العرب؛