وقد وقع عندي موقع الغرابة رأى له في المستشرقين لا ادري كيف كونته له نفسه.
يقول:(وإن اذكر شيئاً من هذه المؤلفات المفيدة على ما فيها من خطأ وصواب فلابد من أن انوه بمعلومات الأب - لا منس - وهي في نظر كبار المشتغلين بالأدب العربي في ذروة الأبحاث العلمية. . .).
فالأب - لامنس - مستشرق كبير ولا سبيل إلى الشك فيه. ولكن هل كتب تاريخ العرب بالروح المجردة التي ينبغي أن يكتب بها؟ (ولا سيما في المسائل الإسلامية التي بالغ في التعصب عليها، مما جعل المؤرخين وعلى رأسهم المستشرقون يشكون في أمانته العلمية ويتهمونه بركوب متن الشطط). وهل يغني في الرجل سعة اطلاعه وقوة حجته عن الأمانة التي أفسدها؟ (وهو الذي كان يسلب العرب الفضائل والصفات الخلقية الجميلة التي اجمع المستشرقون على نسبتها إليهم، وكان في خصومته هذه يعمد في بعض الأحيان إلى السفسطة والمغالطة).
ومثل هذه المغالطات في تفهم التاريخ، أو قل في تأويله بحسب النزعات الشخصية لا يغني عنها ذكر كلمة - على ما فيها من خطأ وصواب - لأننا نفهم من الخطأ والصواب شيئاً غير هذه المغالطات المبينة على حاجات هي في نفس يعقوب. وإذا كانت هذه طريقة الأب - لامنس - في كتابة التاريخ الإسلامي، فهل يا ترى من المعقول أن تصبح آثاره في ذروة الأبحاث العلمية، والأبحاث العلمية لا يجليها عادة إلا عقل متجرد عن كل هوى، وروح طهرت نفسها من كل درن موروث.
ويتم الأستاذ المحدث كلمته:(أما ما ينقل في بعض الصحف العربية من أبحاث لغوستاف لوبون وسيديو ورينان، يهول ناقلوها بنعوت المستشرقين يلصقونها بأولئك المؤلفين، فلقد كان من الخير للاستشراق والناقلين وللصحف أن تدعها في أماكنها من زوايا المكاتب). وهذه كلمة ثانية كشفت عن السر الذي أملى الكلمة الأولى لان التاريخ الذي كتبه هؤلاء المستشرقون هو تاريخ كأنما سطره الغرب للعرب. لأن هؤلاء استطاعوا أن يتجردوا من العوامل الموروثة والتقاليد المذمومة، فكتبوا كما أوحى إليهم ضميرهم، ولم تعمهم محاسن النصرانية عن محاسن الإسلام، ولم يطمس التعصب على قلوبهم شأن من طمس عليهم. ولا أدري أكان هؤلاء ممن يسرون ما لا يعلنون، أم كانوا يخادعون فيما يسطرون؟ ولا