للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لأستاذ جليل

قرأت في (الرسالة) الغراء قصيدة (الأستاذ علي الجارم بك) في (ذكرى قاسم أمين) العالم الفقيه المشهور، فلما جئت إلى هذا البيت:

يا فتى الكرد، كم برزت رجالاً ... من صميم الحمى ومن أعرابه

استعجبت من القول والقائل. والأمر حقيق (والله) بالاستعجاب والاستغراب؛ فأني أعرف المعرفة البليغة أن (قاسماً) كان عربياً مصرياً، ولم يكن كردياً ولا أرمنياً، وقد ولد في مصر في القاهرة وتثقف فيها وعمل لسلطانها، فكان قاضياً يحكم بين الناس بالعدل، وكان خدين إمام المسلمين كلهم أجمعين وسيد العرب المصريين في زمانه الأستاذ الأمام (الشيخ محمد عبده) وحميم تلميذه نبي الوطنية العربية المصرية (سعد) العظيم. وكتب بالعربي كتباً، ولم يكتب بالكردي سطراً؛ ولن يضيره عند الله ولن يضع منه عند العقلاء أن القوم لم يعقلوا مقاصده فضلوا ولم يهتدوا. وذهبنا نردد صباح مساء قول أستاذ الدنيا جار الله (أستعذ بالله من الشر ما أنت راء، فإن الدنيا كل يوم إلى وراء) وأبصر بحر الإسكندرية في صيفه وفي سيفه مشاهد لم يبرح من أجلها ملتجأ مصطخب الموج مزمجراً يوشك أن يعيدها نوحية. . . وها قد أقبل الصيف وبدت هناك جنادعه. . .

وربما أراد الأستاذ الجارم أن يقول: (يا فتى أصله من الكرد) فلم ينجده الوزن الموروث هو وأخته القافية المتقفاة منذ أكثر من (١٤٠٠) سنة. فهو يعني - أن أراد ذاك القول - أصل الرجل لا الرجل.

وهذا القول مفند قائله مدفَّع فالمرء بفضله وفصله، لا بزخرفه وأصله. والأمة إنما هي بلغتها وأدبها وعقيدتها ومصلحتها. وقد قال أحمد بن الحسين الهمذاني صاحب الرسائل والمقامات: (المرء من حيث يوجد، لا من حيث يولد. والإنسان من حيث يثبت. لا من حيث ينبت) وقاسم قد وجد وولد في مصر، وثبت ونبت في مصر. وإنا إذا فتحنا هذا الباب وأنشأنا نقول: يا فتى الأكراد، ويا فتى الأتراك، ويا فتى الأعراب، ويا فتى الإغريق، ويا فتى الشركس، ويا فتى الألبان، ويا فتى الفرس، ويا فتى الهند، ويا فتى الصومال، ويا فتى المغرب، ويا فتى الشام، فقد تشظت الأمة (العربية المصرية) - يا أخا العرب - وهفت

<<  <  ج:
ص:  >  >>