وإذا لم تتفق الأحزاب البريطانية على اتباع سياسة جديدة في فلسطين، فان خير سبيل تسلكه الحكومة البريطانية هو أن تتقدم إلى عصبة الأمم، وتقترح عليها أن ترد إليها الانتداب الذي منحته. وهو رأي سيعترض عليه بمنتهى الشدة، وينعت بالخيانة، وضياع الهيبة. ولكن الهيئة تعرف أن الانتداب (قسم ٢) يراد به السير بالشعوب ذات الشأن إلى الاستقلال. وإذا لم يكن ثمة ريب في أن على بريطانيا واجبا أدبيا في حماية اليهود الذين دخلوا فلسطين، فان أولئك اليهود لا يقيمون أي دليل على انهم يستميلون أهل البلاد، فهل تحمل بريطانيا في مثل هذه الحالة واجبها إلى الأبد؟
وإذا القي مثل هذا الاقتراح إلى عصبة الأمم فهي إما أن ترد بان تطلب إلى بريطانيا استئناف سياسة الانتداب، وهنا تستطيع الدولة المنتدبة أن تضع بنفسها شروطها، وأما أن تقبل العصبة نزول بريطانيا عن الانتداب. ولو قبلت العصبة هذا النزول فماذا يكون؟ هل في ذلك ما يضير الإمبراطورية البريطانية؟ إن الصهيونيين يتحدثون كثيرا عن أهمية فلسطين للدفاع عن قناة السويس، ولكن الدفاع عن القناة إنما يكون على يد القوى المعسكرة على ضفافها، ثم يقولون إن ميناء حيفا الذي افتتح منذ أسابيع سيغدو قاعدة عظيمة للأسطول البريطاني. ولكن أين هي القوات البحرية التي يمكن أن تهاجم الأسطول البريطاني في مياه الليفانت؟ والخلاصة أن الحاجة اشد ما تدعو إلى انتهاج سياسة عملية حقيقية في الشرق الأدنى. فقد خرجت العراق من الدائرة الإمبراطورية، وما اتخذ هنالك من الإجراءات لضمان المواصلات الجوية يمكن اتخاذه في أي مكان آخر، وسوف تحذو سورية عاجلا أو آجلا حذو العراق. والبلاد العربية في تقدم، وهذا التقدم يزيد المسألة الفلسطينية تعقدا، فإذا لم يمكن الاحتفاظ بالانتداب طبق شروطنا المعدلة، فليس من الحكمة أن نحتفظ به. فلسنا بسياستنا الحاضرة نكسب عرفان اليهود ولكنا نكسب غضب العالم الإسلامي، والعالم العربي بوجه خاص.