للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أسلاباً كأسلاب المحاربين في القتال ظفر بها الجميلات بعد انهزام (قزح)؟ ويكون ماذا لو زعم أنهن اتخذن هذه الألوان مطارف وطرفا يلبسنها ويتحلين بها؟ وهكذا

وهو توليد كما ترى وتوليد من لفظ واحد. ونحن لا نرى بأساً - وإن كنا لا نرتضيه - أن يأتي الشاعر بالمعاني مولدة من ألفاظ اللغة، فإن من بعض اللفظ بالعربية لما يضرم الفكر ويؤرث المعاني ويستفز الخيال إلى أعلى مراتبه. على أن هذا لا يتحقق إلا أن تستقيم الطريقة للفكرة، وبتراحب المجال للمعاني، ويسمو المدى بالخيال، على أن تصح المقابلة بين معاني اللفظ وسائر الصور التي تتولد منه.

والمقابلة في هذا الشعر فاسدة باطلة. فهي مقابلة بين (قزح) وبين الجميلات على شاطئ أستانلي، ثم بين الطرائق المقوسة ذات الألوان في السماء (القوس) وبين ما ترتديه الجميلات من مطارفهن. وكان حق المقابلة أن يكون (قزح) هذا مشتهراً بالجمال موصوفاً به، حتى إذا ما ذكر في معرض الكلام عن الحسان الجميلات تمت المقابلة بينه وبينهن. فإن لم يكن ذلك كذاك، فلا أقل من أن يكون في الشعر ما يدل على سبب (حالة الحرب) التي أنشبها الشاعر بين حسان شاطئ ستانلي، وبين العم (قزح)، ثم ما كان من علة لإلقاء سلاحه ثم انهزامه وإدباره

فأما إذ لم يكن (قزح) جميلاً، ولم يأت الشاعر بسياق جيد لهذا التوليد، فقد بطلت الأفعال التي أسندها إلى (قزح) من إلقاء قوس وإدبار وانصراف، وما أضافه إليه من الأسلاب، وصار كله لغواً لا فن فيه. وهذا الضرب خاصة من ضروب الشعر الذي يتضمن التصوير والوصف لا يأتي جيده إلا على دقة الملاحظة، وتقدير النسب بين الألفاظ والمعاني والصور. فلو أقتصر الشاعر فجعل (قزح) يهدي إلى الحسان تحاسين قوسه، فاتخذن منها (شتى المطارف والطرف) لكان أجود وأقرب إلى الإتقان. أما إعلان الحرب بينهما فليس جيد ولا براعة فيه كما رأيت

وقد أجاد أبن الرومي - ويقال أنها لسيف الدولة - إذ يقول:

وقد نشرت أيدي الجنوب (مطارفاً) ... على الجو دُكناً، والحواشي على الأرض

يطرزها (قوس السحاب) بأصفر ... على الأحمر في أخضر وسط مبيض

كأذيال خودٍ أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>