وانبعثت الأحن والحزازات وتنابذ الناس وتباغوا وأصبح بأسهم بينهم شديداً؛ فما هي إلا رجفة ثم ينفجر البركان ويزلزل البيان. . .
وكانت أولى تلك الأحداث ما كان في مجلس الشيوخ فلقد كان في المجلس رجل يدعى سمنر عرف بقوة الجنان وذلاقة اللسان وتوقذ القريحة، وهو ممن يكرهون أشد الكراهية نظام العبيد، حمل في جرأة وقوة على قرار نبرسكا، وأهاب بالناس أن يتمسكوا باتفاق مسوري. ولقد كانت لهجته لاذعة وحجه قاطعة وعباراته مقذعة؛ فلما كان ذات يوم بعدها جالساً إلى مكتبه في المجلس يكتب في سكون هجم عليه عضو من أهل الجنوب فضربه على أم رأسه بعصا غليضة فسقط على الأرض مغشياً عليه، فكانت الضربة في الواقع أولى ضربات الحرب الأهلية، فأهل الجنوب بدل أن يستنكروا هذه الفعلة هللوا لها واعتبروا صاحبها بطلاً جديراً بالتوقير. وقدم له جماعة من الطلبة عصا ذات رأس من الذهب! أما أهل الشمال فلك أن تتصور مقدار ما بلغته النعلة من نفوسهم وما تركته من الغيض في صدورهم فذلك ما لا ينهض لتصويره كلام
وحدث بعد ذلك حادث آخر رج البلاد من أركانها، وذلك أن أحد العبيد، رحل مع سيده إلى ولاية من الولايات الشمالية الغربية، وكانت أسرة ذلك العبد معه، وكان عبداً ذكياً له حظ من التعليم أدرك أنه وراء الحد الفاصل بين ولايات العبيد والولايات الحرة، فرفع أمره إلى القضاء يطلب أن يتمتع هو وأسرته بالحرية ما دامو في ولاية حرة؛ وانتقلت القضية من محكمة إلى محكمة حتى استقرت في المحكمة العليا في وشنجطون؛ وأصدر القاضي الأعلى حكمه، فقضى بأنه ما كان لأي عبد زنجي أن يرفع قضية أمام محكمة من محاكم البلاد كما يفعل الرجل الأبيض، وأنه ليس للمؤتمر ولا لأي مجلس من مجالس الولايات أي سلطة تخوله ان يمنع أي شخص أن يعود بعبيده من الولايات الحرة إلى ولايات العبيد. . .
ولقد هز هذا الحكم البلاد هزاً عنيفاً؛ وأستقبله أهل الجنوب طربين يطفرون من الفرح، أما أهل الشمال فكان في نفوسهم غمة وفي حلوقهم شجى؛ ذلك أنهم رأوه يجعل اتفاق مسوري اتفاقاً غير دستوري، كما رآه يقضي على قرار نبراسكا الذي يجعل لمجلس الولاية الحق في تقرير ما يريده في مسألة العبيد؛ وبه أصبح العبد كقطعة من الأدوات ليس له حتى في نفسه أي حق أو شبه حق وكان خطر هذا الحكم أنه صادر في تلك المسألة التي تشغل