للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ريحهم وتضيع أصواتهم بدداً؛ وهو في كل ما يزجي من القول صريح كأعظم ما تكون الصراحة، واضح كأتم ما يكون الوضوح

تعرض لمسألة كنساس فقال في قوة اليقين وفي جلال الحق؛ ستكون كنساس حرة؛ وأردف فذكر السامعين أن الخروج على اتفاقية مسورى والسماح بانتشار العبيد وراء الحد الفاصل مؤد حتما إلى جعل مسألة العبيد مسألة قومية عامة، ولذلك فإنه للفوز أبداً أو الهزيمة أبداً، فإنه ليشعر بتزايد قوى المتمسكين بمبدأ انتشار العبيد بينما يتراخى الداعون إلى مقاومة تياره. وكان في خطابه يبدو منه ما يبدو من رجل مقبل على موقف حاسم في تاريخ حياته، ففي نبراته رنة الإخلاص، وفي مقاطعه وابتداءاته لهجة اليقين وبينات الحرص الشديد أن يتدبر كلامه المنصتون، وعلى وجهه علامات الاهتمام حيناً وإمارات القلق حيناً ومخايل الحذر والخوف واللهفة أحياناً، وكذلك العظيم إذا تكلم كان كلامه من وجدانه ومن لبه، وكانت حركاته حركات جوانحه وخفقات قلبه

ولقد تنبأ ذلك الرجل العظيم فذكر للناس أن مسألة العبيد سوف لا تحل حتى تنتهي إلى أزمة تجتاز بفضل إرادة الأمة، فإن تلك الإرادة متى أوقظت اجتاحت الصعاب؛ وكأنه كان يرى ما سيحدث عما قريب في صورة حرب أهلية ضروس

وانجلت المعركة الانتخابية عن فوز بيوكانون مرشح الحزب الديمقراطي، ولقد ظهر فيها على منافسيه أحدهما مرشح الحزب الجديد، والآخر مرشح حزب آخر كان يعرف بالمحايد، ويضم عدداً كبيراً من الهوجز، ولكن نجاح الحزب الديمقراطي كان ينطوي على معنى الضعف، فإن ثلث أصواته انضمت إلى الحزب الجديد كما أن هذا الحزب قد نال على حداثته عدداً من الأصوات يلي في مقداره عدد أصوات الحزب الفائز، حتى لقد أعتبر الكثيرون من المفكرين أن الفوز الحقيقي إنما هو للجمهوريين

ولقد أنضم إلى هذا الحزب الوليد كثير من أهل الثقافة وأولي الأبصار، فكان من رجاله في مجلس الشيوخ نفر من الأماثل الذين أشربت قلوبهم حب بلادهم والذين فطرت نفوسهم على العدالة وجبلت على الرحمة والإنسانية، والذين كانوا يمقتون نظام العبيد من أعماق وجدانهم إذ يرونه نظاماً لا يوائم ما ينشدونه لوطنهم من نهوض وقوة. . .

وبدرت يومئذ بوادر الطلعة الكبرى فلقد تلاحقت الأحداث وجرت الشائعات بالسوء

<<  <  ج:
ص:  >  >>